أظهر الوفد السوري ارتياحاً للمواقف التي أعلنتها الرئيسة الأرجنتينية كريستينا فرنانديز دي كرشنر خلال محادثاتها مع الرئيس بشار الأسد، إذ ظهر «تطابق في المواقف» إزاء القضايا الرئيسية، خصوصاً في ما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي. وقال الأسد إن سورية تريد تطوير العلاقات مع دول أميركا اللاتينية والجنوبية لأسباب عدة بينها «استقلالية القرار»، لافتاً الى أن «السلام ليس قريباً لأن الردود الإسرائيلية كانت معاكسة» لذلك في السنوات الأخيرة. من جانبها، أكدت دي كرشنر دعم سورية باستعادة هضبة الجولان المحتلة وإقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيلية «على حدود 1967 وليس ضمن الحدود التي اغتصبتها»، كما أيدت انضمام سورية الى تكتل «ميركوسور» الذي يضم بلادها والبرازيل وعدداً من دول أميركا الجنوبية. وعلمت «الحياة» أن وزير الخارجية الأرجنتيني هيكتور ديمرمان سيزور دمشق في الفترة المقبلة تمهيداً لزيارة دي كرشنر قبل نهاية العام. وكانت أجريت محادثات رسمية بين الأسد ودي كرشنر في العاصمة الأرجنتينية حضرها من الجانب السوري وزير الخارجية وليد المعلم والمستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة الدكتورة بثينة شعبان، وأعقبها توقيع ثلاثة اتفاقات لتطوير العلاقات. وأفادت مصادر سورية أن الجانبين أكدا «حرصهما على فتح آفاق جديدة للتعاون وتعزيز التبادل التجاري وتشجيع الاستثمارات والزيارات المتبادلة بين رجال الأعمال والغرف التجارية والصناعية بما يعود بالمنفعة على الجانبين. كما جرى بحث الآفاق التي يمكن أن يفتحها توقيع اتفاقية تجارة حرة أو اتفاق إطاري بين سورية ومجموعة السوق المشتركة لدول أميركا الجنوبية الميركوسور». وعلم أن الجانبين سيدفعان لعقد الدورة الثالثة من القمة بين الدول العربية ودول أميركا اللاتينية في بيرو في شباط (فبراير) المقبل. وفيما أعرب الأسد عن «تقديره لتأييد الأرجنتين للحقوق العربية العادلة في استعادة الأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة»، نوهت دي كرشنر بمواقف سورية «المؤيدة للأرجنتين في شأن حل قضية جزر المالفيناس (فوكلاند) عبر الحوار ووفق الشرعية الدولية». وتحدث الأسد عن عملية السلام، قائلاً: «إن الممارسات العدوانية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة من قتل وتهجير واستيطان وحصار، تؤكد عدم رغبة إسرائيل في إحلال السلام». وأكد ضرورة «تحمّل المجتمع الدولي لمسؤولياته للجم إسرائيل والضغط عليها للامتثال للقرارات الدولية المتعلقة بالصراع العربي - الإسرائيلي». وقالت شعبان في لقاء مع الصحافيين بعد المحادثات، إن وجهات النظر كانت «متطابقة في كل المواضيع التي بحثت»، مشيرة الى أن الرئيسة الأرجنتينية «مؤيدة لحق سورية في استعادة الجولان وتدعم وجود دولة فلسطينية، وهي أيضاً ضد الاحتلال والظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، ومع دور مهم بين أميركا الجنوبية والعالم العربي، ومن المشجعات لعلاقة بين أميركا الجنوبية والعالم العربي». وأشارت إلى أن الأرجنتين ضد وجود الأسلحة النووية في الشرق الأوسط و«قدمت مبادرة لمنع انتشار الأسلحة النووية في العالم في مؤتمر نيويورك في شأن الأسلحة النووية، خصوصاً أنها ستستضيف مؤتمر العام المقبل، وأضافت: «إن دمشق لمست أن الورقة السورية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل باتت جزءاً من تفكير العالم». وقال الأسد خلال مأدبة غداء رسمية أقامتها دي كرشنر إن سورية تريد تطوير تعاونها مع دول كثيرة في هذا العالم القريب منها والبعيد، لكن الذي يدفعها للتعاون مع قارة بعيدة أكثر من عشرة آلاف كيلومتر هو «هذه الاستقلالية في القرار السياسي، إضافة إلى المواقف العادلة التي تنتهجها هذه الدول بعيداً من أي رغبات بالهيمنة أو الاستعمار ومنها الأرجنتين». ونوه بمواقف بوينس أيرس إزاء إدانة الإجراءات الإسرائيلية، وقال إن «هذا الموقف هو ميزة من ميزات العلاقات بين الدول المستقلة، فسورية ليست بحاجة إلى علاقات مع دول كبيرة ذات اقتصاد وجيش قويين إن لم تكن هذه الدول تتمتع بالقرار المستقل»، مشيراً إلى أن جولته على دول أميركا اللاتينية «تبحث عن قرار بين دول مستقلة وسورية دولة مستقلة وتفعل ما تمليه عليها قناعاتها ومصالحها». وقال الرئيس السوري إن سورية والدول العربية عملت دائماً من أجل السلام في الشرق الأوسط وأطلقت مبادرة عام 2002 لكن «في المقابل وعلى أرض الواقع، لا نرى هذا السلام قريباً في المرحلة المقبلة لأن الردود الإسرائيلية كانت معاكسة فشنت إسرائيل عدوانها على لبنان عام 2006 الذي سقط ضحيته أكثر من ألف بريء معظمهم من الأطفال والنساء، تلاه العدوان على غزة الذي أودى بحياة أكثر من 1500 شخص أيضاً ومعظمهم من الأطفال والنساء، كما تفرض الآن الحصار اللاإنساني على أكثر من مليون ونصف المليون مواطن في غزة». من جهتها، رأت دي كرشنر أن حل قضية الشرق الأوسط هو «حل أساسي للسلام والأمن العالميين، وليس فقط في الشرق الأوسط، وأن المشاكل التي تشهدها هذه المنطقة تقدم مؤشراً الى ضرورة معالجة قضية الصراع هذه»، مؤكدة أن الأرجنتين «ترغب بلعب دور فاعل في بناء السلام في هذه المنطقة من العالم وتدعم مبادرة السلام العربية ومبدأ الأرض في مقابل السلام وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية على أرضه».