بعد خمسة أشهر من الجهود الديبلوماسية والضغوط السياسية وتبادل صفقات المصالح السياسية والاقتصادية، صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1929، الذي يفرض على إيران عقوبات مشددة، تعتبر، وبحسب رأي الكثير من المراقبين، أقوى من العقوبات التي فرضت على كوريا الشمالية، وبتأييد من 12 دولة، ومعارضة تركيا والبرازيل، وامتناع لبنان عن التصويت، علماً بأن القرار لا يزال في الإطار الديبلوماسي وبعيداً عن استخدام القوة العسكرية، بحسب البند السابع. بنظرة تحليلية فاحصة للقرار ومراحل صدوره وتوقيته، وأسباب التصويت من بعض الدول، يتبين لنا أن مواقف الدول التي صوتت على القرار، سواء بالتأييد أو المعارضة أو الامتناع، انقسمت إلى الآتي: أولاً: بالنسبة لتركيا فقد صوتت ضد القرار، لأنها اعتقدت أنها خدعت من الإدارة الأميركية التي طلبت منها أن تتوسط في مسألة حل الملف النووي الإيراني، والطلب منها أن تكون لاعباً رئيساً في المنطقة يتلقى الدعم الأميركي، ليس على مستوى قضية الملف النووي الإيراني، بل على مستوى حل مشكلة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية التي هي محورها، وبناء علاقات بناءة مع دول الجوار - سورية والعراق وإيران - إضافة إلى الدول العربية الأخرى، لذلك شعرت تركيا بأنها خدعت بعد تحقيقها الاتفاق الثلاثي لتبادل الوقود النووي، الذي وُقِع بين البرازيل وتركيا وإيران، من الولاياتالمتحدة الأميركية، وذلك برفض ذلك الاتفاق من الدول الخمس دائمة العضوية + ألمانيا، ما جعلها تصوت ضد القرار 1929 حفاظاً على صدقيتها واحتجاجاً موجهاً ضد الدول الكبرى والولاياتالمتحدة الأميركية على وجه الخصوص. ثانياً: أما ما يتعلق بالموقف البرازيلي، فمن الطبيعي أن يتماشى مع الموقف التركي، برفض القرار وانتقاده بشكل كبير من الرئيس البرازيلي، الذي كان شريكاً لأردوغان في إخراج الاتفاق الثلاثي لتخصيب اليورانيوم خارج الأراضي الإيرانية، إذ أظهرت البرازيل ومنذ وصول لويس لولا داسيلفا إلى الرئاسة، وتحقيقه الاستقرارين الاقتصادي والسياسي لها، وبروزها كقوة اقتصادية مؤثرة في العالم، مزيداً من الاستقلالية عن السياسة الأميركية التي كانت مهيمنة على أميركا الجنوبية، والبحث عن دور مستقل ومؤثر في المسرح الدولي يتناسب مع حجم تأثيريها الاقتصادي والسياسي، وذلك من خلال بناء تحالفات مع الدول ذات النمو الاقتصادي والسياسي المتطور كتركيا والهند ودول الشرق الأوسط المنتجة للبترول كالمملكة العربية السعودية وإيران. كما أن البرازيل لها طموحات نووية، على رغم أنها لا زالت تتوافق مع وكالة الطاقة النووية الدولية، ومن الممكن أن تتأثر هذه الطموحات وتتعارض في المستقبل مع التوجهات الأميركية في منع انتشار الأسلحة النووية، علماً بأن البرازيل متقدمة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وتصنيع الأسلحة والصواريخ بشكل خاص منها، لذلك نجد السياسة البرازيلية تعارض فرض عقوبات على الدول الموقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وترغب في الحد من التدخل الدولي خارج نطاق الوكالة وتسييس القرارات الأممية. ثالثاً: أما الموقف الروسي فقد كانت هناك صفقة سياسية واضحة بين الولاياتالمتحدة الأميركية وروسيا أثرت على الموقف الروسي، امتدت من الدرع الصاروخية إلى أوكرانيا فجورجيا وقيرغيزيا، إذ خففت الولاياتالمتحدة الأميركية من توجهاتها في نشر منظومة الدرع الصاروخية في بولندا وجمهورية التشيخ، وسحبت تأييدها للأحزاب الأوكرانية الموالية للغرب واعترفت بنتائج الانتخابات وهنأت الرئيس فيكتور يانكوفيتش على الفوز، وعدم معارضتها لتجديد عقد استئجار قاعدة أسطول البحر الأسود في مدينة سيفاستبول، والتخفيف من دعم الرئيس الجورجي ميخائيل سكاشفيلي، وعدم التدخل في التغييرات السياسية في جمهورية قيرغيزيا، على رغم وجود أهم قاعدة جوية أميركية في آسيا الوسطى فيها، ووقف دعوة أوكرانيا وجورجيا للانضمام إلى حلف الناتو، لذلك جاء التأييد الروسي متوافقاً مع المصالح التي حققتها مع الولايات في هذه المناطق، لقاء ليس فقط عدم معارضة القرار، بل تأييده وإرسال رسالة قوية لإيران حول برنامجها النووي. كما أن الموقف الروسي تأثر برفض إيران الاتفاق الذي رعته بتخصيب اليورانيوم في أراضيها ونقله إلى فرنسا لتكملة تحويله إلى وقود نووي. رابعاً: أعتقد أن الموقف الإيراني بدأ يخسر الدعمين الروسي والصيني، ويتجه لكسب الدعمين التركي والبرازيلي، واستثمار الخلاف بينهما والدول الكبرى حول الاتفاق النووي، في محاولة لإبقاء هذه الدول مؤيدة لها، ولذلك انتقدت إيران وبشدة الموقفين الروسي والصيني من القرار واتهمتهما بمحاباة الولاياتالمتحدة الأميركية، لذلك ردت بعدم المشاركة في قمة مجموعة شنغهاي في طشقند، كرسالة موجهة إلى روسيا راعية ومؤسسة هذه المجموعة، على رغم التهوين الروسي من تأثير القرار على العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين، إلا أن المؤشرات والدلائل عكس هذا التهوين، وأول الضحايا للقرار هو صفقة صواريخ «س 300» التي أعلنت مصادر روسية عن تجميدها، إذ تتعارض مع قرار مجلس الأمن الدولي. لا زالت إيران تراهن على الصين، نظراً إلى حجم التبادل التجاري معها، وحاجة الصين للنفط الإيراني، ولذلك نرى أنها لا تريد أن تقطع التواصل معها ولم تقم بانتقاد الموقف الصيني بحدة انتقادها للموقف الروسي، لأنها تحس أن الصين تنسق مع روسيا بشأن الموقف من أي قرار أممي يتعلق ببرامجها النووية. لقد نجحت الديبلوماسية الأميركية وإلى حد ما في استصدار القرار 1929 بإجماع الدول الكبرى، وتأييد الدولتين الداعمتين لإيران – روسيا والصين - على رغم عدم تأثير هذا القرار بشكل كبير وعلى المدى القريب، على موارد إيران الاقتصادية، وعدم تضمنه استخدام القوة، وهو ما كانت تخشاه إيران، لكنه يرسل إشارة قوية لا لبس فيها إلى إيران، مفادها: أن مصالح الدول فوق الصداقات في العلاقات الدولية، وألا تراهن على الصداقات والمصالح المحدودة. والسؤال المطروح هو: هل يستطيع رجب طيب أردوغان ولويس لولا داسيلفا، وبعد معارضتهما للقرار 1929، أن يعيدا تكوين قوة دولية ضاغطة تنافس القوى الخمس الكبرى التقليدية في مجلس الأمن الدولي، كما فعل سوكارنو وجمال عبدالناصر ونهرو، عندما أسهموا في تشكيل مجموعة دول عدم الانحياز في باندونج عام 1961؟ * أكاديمي سعودي.