هل تراجع نادي جدة الأدبي وخفت وهج نشاطاته الثقافية والأدبية؟ أين هي الإصدارات المميزة؟ وإذا صح هذا التراجع فهل لمجلس مكة الثقافي دور فيه كما المح بعض أعضاء النادي في حوارات سابقة مع «الحياة»؟ هل توقف الوهج الذي تركه الأديب عبدالفتاح أبو مدين، وفقد نادي جدة الأدبي بوصلته...أسئلة طرحتها «الحياة» على مثقفين تربطهم علاقة بهذا النادي العريق. يقول الروائي والقاص وعضو نادي مجلس إدارة نادي جدة عبدالله التعزي: «هناك عوامل عدة تسهم في تحريك الفعل الثقافي ليس في نادي جدة فقط ولكن في الحراك الثقافي في المملكة بصفة عامة. ولو أخذنا نادي جدة الأدبي بشكل خاص فطبيعة المرحلة الالكترونية وما تفرضه من سرعة في النشر تدفع إلى الكثير من المطالب والتي تتطلب نوعاً من السرعة في التعامل مع معطيات المرحلة. هذه السرعة تتلاشى أمام الرتم البطيء الذي تمارس فيه النشاطات في الحياة الأكاديمية والأدبية في المملكة بصفة عامة. متطلبات السرعة تستوجب نوعاً من التعاملات والإجراءات ليست موجودة بل ومفقودة تماماً أمام هذا السيل السريع من المعلومات والنصوص التي تدفع بالبعض حد فقدان الاتجاه الصحيح أو في أحسن الأحوال المعروف. والأندية الأدبية بالكاد تجاهد لتستمر في تسريع رتمها بما تمتلك من لوائح وقوانين ورقية تتمسك بالبطء الذي أنتجها في مرحلة سابقة كانت تعتبر فيها سرعة قياسية». وحول مسألة ارتباط النادي بمجلس مكة الثقافي أوضح أن مسألة ارتباط النادي بمجلس مكة الثقافي «أحد أهم العوامل التي تدخل النادي في الروتين الوزاري أو الحكومي. الذي يطالب بالتخطيط والتنسيق المسبق وبصورة دقيقة في عالم سريع من دون ترك الإمكانات للبدائل إلا من خلال الموافقة المشروطة بتلك المتطلبات، المصاحبة للملف الأخضر العظيم، مع كامل الصور الشخصية/المعنوية والأسماء الثلاثية/الرباعية إلى آخر ما يتطلبه (النظام المتبع). ثم جعل كل هذا إلزامياً مما يلغي الدور الثقافي للنادي فيبدو نشاط النادي وكأنه اجترار معروف، لا يواكب المنجزات المتسارعة وطفرة الاتصالات الكبيرة». لكن التعزي يؤكد أن هناك بعض المنجزات «التي تستحق الإشادة في نادي جدة الأدبي، مثل قاعة السيد حسن شربتلي التي سيتم الانتهاء من تشييدها قريباً، وهذه القاعة الكبرى والمميزة ستمثل نقلة نوعية في نشاطات النادي المستقبلية». أما ما يخص الإصدارات فهو يرى أن الكتب المقدمة للنادي «تتفاوت في مستوياتها الفنية وتجعل من الصعب نشر كل ما يقدم»، لافتاً إلى أنه «ربما يكون الصمت اكبر انجاز في ظل المستوى المتاح». ويقول الشاعر سفر الغامدي: إذا استعرضنا مجمل (الدوريات) و (الجماعات) في نادي جدة الأدبي، فإننا قد نصاب بالدوار ... هناك دوريات للنقد والتراث والسرد والترجمة والشعر، وهناك جماعات للنقد، والسرد، والشعر، والشباب، والفنون البصرية، إضافة إلى ملتقى النص وبعض المحاضرات العامة... في أحسن الأحوال يمكن أن ننسب هذا التنوع إلى شيء من النوايا الحسنة، وفي أسوئها يمكن أن نقول إن فيه ميلاً استعراضياً ما»، مشيراً إلى أن كل عضو في مجلس الإدارة: (كلٌّ بحسب شطارته ومهاراته وعلاقاته)، يريد أن يكون رئيس تحرير أو مشرفاً على جماعة، أو الاثنين معاً... أن يكون رئيساً لا مرؤوساً، وجماعة لا مجرد فرد يعمل مع آخرين. هذا التورم الذاتي، أفضى إلى تورم في مجمل نشاطات النادي، فبدت مغرية من بعيد (من موقع النادي الالكتروني مثلاً)، وباهتة من مسافة قريبة، وبالعين المجردة: إذا حضرتَ أي نشاط من أنشطة النادي، أو تصفحتَ أياً من إصداراته... أو حين يُقدر (عليك) أن تتابع مصائر جماعاته في ردهات النادي، لا على بوابته الالكترونية». أما الشاعر صالح القرني، فيرى أن حال الأندية الأدبية متشابه ويعلل الأمر قائلاً: «المتأمل في مسيرة الأندية الأدبية السعودية لابد أن يقف عند نتيجة واحدة، وهي أن هذه الأندية لم تستفد من تراكم الزمن وثورة وتفاعل نمو الحراك الأدبي والفني من حولها لتبلور مشاريعها الثقافية أو تسهم بأدوار فاعلة في مشروع ثقافي متكامل يواكب متطلبات المرحلة وتسارع وتيرة الزمن المتسارع. إذ إن المطروح لا يعد كونه اجتراراً لطريقة متهالكة، سواء في إدارة برامج ما تسميه بأنشطة ثقافية أو حتى محاولة تلمس متطلبات التجديد والتفعيل الحقيقي لهذه الأنشطة إن وجدت. ونادي جدة الأدبي على رغم ما يتكئ عليه من سمعة استحقها في مرحلة سابقة، إلا أنه في النهاية هو جزء من منظومة الروتين وتحصيل الحاصل، الذي تعمل به بقية الأندية الثقافية الأخرى». الروائي طاهر الزهراني تحدث ببعض الحدة عن أوضاع نادي جدة الأدبي، وقال إن الحراك «لا يكون إلا بحضور الدماء الشابة، لأن فورة الشباب تختلف عن (عجز) الكهولة، لذا لو انشغل بعض رؤساء الأندية بمكاتب عقاراتهم، لكان أفضل لنا ولهم وللثقافة!» وحول نادي جدة تحديداً يضيف طاهر الزهراني: «في الآونة الأخيرة تقلص كثير من الفعاليات الثقافية في شكل ملحوظ، هذا غير الغياب غير المبرر إلى الآن لمعرض الكتاب الدولي عن مدينة البحر جدة، حتى كان آخر حضور له عام 2006 بل أصبحت أي فعالية تقام يسبقها شبه تحري عن الضيف، الاسم الرباعي، مقر العمل، أرقام الهواتف، الحالة الاجتماعية، فصيلة الدم... ثم الانتظار طويلاً حتى تأتي الموافقة من عدمها!». ويعلق الزهراني ساخراً: «طالما أننا وصلنا إلى هذه المرحلة، فأرى أنه يتوجب على إدارات النوادي الأدبية إغلاق أبوابها والتوجه إلى أقرب مقهى وقضاء الوقت في شرب الشاي والشيشة وتبادل النكات، وهذا أفضل بمراحل من انتظار رحمة الرقيب!».