في منتدى حضرته أخيراً في «جدة» قام المنظّمون بتقسيم القاعة إلى قسمين، قسم للنساء وقسم آخر للرجال، وهذا تقسيم لطيف، لكن قسم النساء كان يساوي فقط ربع القاعة، بينما حاز الرجال على ثلاثة أرباع القاعة، وبطبيعة الحال فإن الرجال كانوا أكثر من النساء، لهذا اضطر بعض المنظّمين إلى استئذان السيدات بالخروج من القاعة والذهاب إلى بيوتهن لأن هناك رجالاً في الخارج يريدون الجلوس، وعلى رغم حسن الأسلوب الذي اتبعه بعض المنظّمين إلا أن هذه الحال تعتبر حالة «طرد»، ولأنني من الذين تربوا على وضع أنفسهم دائماً موضع الطرف المظلوم، فإنني شعرت بالقرف من هذا التصرف الاجتماعي المتكرر. هذا التصرف أكبر من كونه مجرد خلل تنظيمي في منتدى أو مؤتمر، لكنه يشكل علامة ثقافية واضحة على حجم التخبط الذي نعيشه في فهمنا للمرأة وفي طريقة تعاملنا معها، وهو تعامل لم يتطوّر على رغم كل الخضّات التي يعيشها العالم على كل المستويات، ولم نحاول على الإطلاق «تطهير» فهمنا الموبوء للمرأة، وهذا هو سبب التصرفات كافة التي نراها في كل مكان، نرى الابن الصغير يدبّر لكل نساء بيته، لأنه تشرّب مبدأ إمكان «الخطأ» أو «الخطيئة» عن طريق ثقافته الاجتماعية، لماذا لم تتغير نظرتنا إلى المرأة؟ ننظر إليها على أنها وعاء متحرك للحمل والإثم، أليس في مثل هذا الفهم المعوجّ دلالة عميقة على توقّف الحراك الفكري واستعصائه على النموّ؟ يمكننا أن نطالع ما كتبه الرحالة عن عادات الصحراويين مثل: الرئيس رينو، والطبيب مارتينيه، والروائي بول بولز، ولنقارنه بوضع المرأة حالياً على كل المستويات لن نجد كبير اختلاف على رغم مرور قرن على ما كتبوه. إن طرد المرأة من القاعة ليس هو العمل الخاطئ، وإنما الأعنف هو الطرد الثقافي الذي سحق المرأة على طول مدة الانطماس الثقافي والانحطاط الفكري، أصبحت بالفعل مواطنة من الدرجة الثانية، فهي لا تزال تابعة وليست مستقلة في فردانيتها وفي إنجاز أعمالها وشؤونها. صحيح أن الحالة التي تعيشها المرأة السعودية تتطور على الأقل بالنسبة إلى النساء اللواتي خرجن من هيمنة الرجل إما بقوة الثقافة كالمثقفات والكاتبات والإعلاميات أو بقوة العمل كسيدات الأعمال والمستثمرات، لكن الألم الحقيقي يقع على المرأة البسيطة التي لا تدري حينما تُظلم إلى أين تذهب، انظروا إلى قضايا المرأة في المحاكم مع الميراث، والعضل، والطلاق، والحضانة، والسفر، مشكلات متراكمة وكبيرة. من جهةٍ أخرى، فإن العمل الذي تقوم به المرأة تمت «جرثمته» اجتماعياً، فأصبحت الأعمال المتاحة وفق النظرة الاجتماعية ليست كثيرة، فالعمل في القطاع الطبي لا يرحب به المجتمع، لهذا فإن نسبة العاملات في قطاع التمريض لا تتجاوز 5 في المئة، وإذا عملت في مجال التعليم، فإنها تخضع لطرق وآليات نقل معقّدة وخطيرة، إما عبر انقيادها مع «مزاج» سائق يقوم هو بممارسة دور الوصيّ عليها تبعاً لتعليمات البيت له، أو وفق مركبة نقل جماعية تستنزف مال العاملة، وتضعها في حال يرثى لها من التخبط المهني والوظيفي، إن حادثة طرد صف من السيدات الحاضرات ليجلس بأماكنهن الرجال هو تعبير عن تاريخ طويل من الطرد الذي مارستْه الثقافة ضد المرأة وكل الممارسات التي يمارسها الأفراد ضد المرأة هي رموز وعلامات على تعليمات تشرّبها الناس، هي ضد ثقافة الحقوق وضد أبجديات التعامل الإنساني في كل ثقافات البشر. فهد سليمان الشقيران