تختلف دوافع الخريجين نحو سوق العمل وآرائهم وتطلعاتهم حول ما آلوا إليه بعد أن تركوا مقاعد الدراسة، ففي الوقت الذي فضل فيه عدد منهم الحصول على وظائف توازي تخصصاتهم آثر آخرون استغلال أدنى الفرص والحصول على أي وظيفة حتى لو لم تناسب مؤهلاتهم الأكاديمية ومقوماتهم الشخصية، بحجة ندرة الوظائف وشحها. وليد خريج كلية اللغات والترجمة قبل أكثر من عامين يجلس خلف مكتب الاستقبال في شركة متواضعة، يستطلع يومياًّ كل ما تحمله أوراق الصحف، ويتصفح مواقع الإنترنت علها تحمل له نبأ ساراً ينقله لوظيفة تلائم تخصصه، إذ يقول: «أنا أعمل اليوم في أمور لا شأن لها بدراستي الجامعية، ويمكن أي شخص يحمل مؤهلاً متدنيًّا أن يقوم بها على أكمل، لدرجة أن بدأت أفقد العديد من مهاراتي اللغوية، التي أتقنتها أثناء دراستي، ومن المعلوم أن اللغة تحديداً إذا لم يوجد لها الحقل المناسب للممارسة فإنها تتلاشى من ذاكرة الإنسان، وحينها ستصبح شهادتي التي حصلت عليها في اللغة الفرنسية مجرد حبر على ورق». ويذكر أحمد الحاصل على شهادة البكالوريوس في الأحياء أن الخريج يفكر في الحصول على الوظيفة ذات المردود المادي والمحققة للاستقرار الوظيفي بغض النظر عن تخصصه الدراسي، لافتاً إلى أنه يعمل حالياً في جهة حكومية مهتمة بالتقنية. ويضيف: «أعلم شخصياًّ أنه لا علاقة بعملي الحالي بما درسته، لكن وجدت الفرصة المناسبة للعمل في هذا المجال، ولم أستفد من تخصصي الدراسي إلا بحصولي على تلك العلاوة المادية مقارنة بغيري من أرباب حملة الشهادة الثانوية». ولا تقتصر معاناة تعارض التخصص الدراسي مع مجال العمال لدى فئة الشباب فحسب، فالفتيات يجدن معاناة أكبر في الحصول على الوظيفة المتوافقة مع شهادتهم الجامعية، فآمال الحاصلة على شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع وجدت نفسها مضطرة في العمل في إحدى المدارس الأهلية كمعلمة أطفال للمرحلة التمهيدية، إذ تؤكد أنها حاولت الحصول على وظيفة توازي تخصصي الجامعي، إلا أن كل محاولتها باءت بالفشل. وتشير الخريجة صالحة إلى أنها حصلت قبل ثلاثة أعوام على البكالوريوس في رعاية الأسنان، بيد أنه فوجئت بعملها مساعدة طبيبة، وهو ما أفقدها العديد من المهارات التي أتقنتها أثناء دراستها.