علمت «الحياة» من مصادر إسلامية عدة أن قيادة «حزب الإسلام» الصومالي قررت «مبدئياً» محاربة «حركة الشباب المجاهدين» التي تحاول بسط نفوذها على المناطق الصومالية وتسعى إلى «احتكار» العمل المسلح ضد الحكومة، بحسب ما يقول خصوم هذه الحركة التي تصفها واشنطن بأنها «وكيل تنظيم القاعدة» في منطقة القرن الافريقي. وفسّر بعض المصادر قرار «حزب الإسلام» - الذي يمثّل السلفية الجهادية المعتدلة في الصومال - مواجهة «الشباب» بأنه يمثّل «محاولة أخيرة» لإنقاذه من انهيار محتم بعد تضعضع صفوفه في الشهور الأخيرة. وكان قادة «حزب الإسلام» الكبار يعكفون منذ أسابيع في العاصمة، مقديشو، على مناقشة الخيارات المتاحة أمامهم بعدما انضم في الشهور القليلة الماضية مسؤولون بارزون في الحزب في مناطق الوسط والجنوب إلى «حركة الشباب المجاهدين»، الأمر الذي حمل المسلحين المخلصين للحزب إلى الانتقال إلى مناطق نفوذه التي لم يبقَ منها إلا جيوب محدودة في العاصمة ومدينة أفغوي التي تقع على بعد 30 كيلومتراً غرب العاصمة، بينما تسيطر «حركة الشباب» على المدن الكبرى وتقدم نفسها على أنها الحركة الإسلامية المسلّحة الوحيدة في البلاد. ويدل انحياز الحزب إلى الحرب ضد «حركة الشباب» بعدما قاتلا سوياً ضد الحكومة الصومالية ووصماها ب «العمالة والردة»، على خوف الإسلاميين المعتدلين من الاختفاء من الخريطة الصومالية إذا لم يتحركوا بسرعة ويواجهوا بحزم من يعتبرونهم «أعداء الشعب والدين»، في إشارة إلى تصرفات يقوم بها بعض المتشددين. ومنذ تأسيسه العام الماضي، عانى «حزب الإسلام» من نزيف داخلي، إذ فقد عدداً من قادته البارزين وكثيراً من مسلّحيه الذين انضموا إلى «حركة الشباب» وأبرزهم شيخ حسن عبدالله حرسي المعروف ب «تركي» الذي انضم العام الماضي إلى «الشباب». كما تخلّى عنه «معسكر راس كمبوني» الذي كان واحداً من تجمعات أربعة كوّنت الحزب العام الماضي، متهماً إياه بفقدان استراتيجة مستقلة» عن «الشباب». ولم تتضح بعد التفاصيل الكاملة لقرار الحزب. إذ إن مناقشات قادته حول كيفية مواجهة خطر «الشباب» كانت ما زالت جارية حتى مساء الأربعاء. لكن التفاصيل الأولية التي وصلت إلى «الحياة» تتحدث عن قرار ب «صد أي عدوان» لمسلحي «الشباب» على مناطق نفوذ الحزب وعدم التهاون إزاء الأخطاء التي ترتكبها «حركة الشباب» في حق الحزب. ومعروف أن بعض مسلحي «الشباب» يتعامل مع الحزب وأفراده بازدراء، بل إن هناك من يقول إن «حركة الشباب» عملت جاهدة على تفكيك الحزب عبر دعوة مسلحيه وقادته إلى الانضمام إليها بصفتها الحركة الإسلامية الأقوى في البلاد. وركّزت نقاشات قادة الحزب في الأسابيع القليلة الماضية، بحسب مصادر تحدثت إلى «الحياة» شرط عدم كشف أسمائها بسبب حساسية الموضوع، على ثلاثة احتمالات: حل الحزب. أو مقاتلة «حركة الشباب»، أو الانضمام إليها. وبعد نقاش طويل وأخذ ورد استبعد المسؤولون خيار الانضمام إلى «الشباب» لأنه يعني الاحتكام إلى حماسة شبان معرفتهم بالدين قليلة واحترامهم للجيل القديم من الدعاة أقل. كما رفض قادة الحزب خيار حله لأن بقاءه فاعلاً داخل الصومال هو بمثابة «صمام أمان للدعوة السلفية المعتدلة في البلاد»، مع العلم أن كثيرين من علماء السلفيين في الصومال يؤيدون فكرة وجود الحزب كبنية مهمة لمواجهة ما يعتبرونه «تطرف الشباب». لذا لم يبقَ أمام قادة «حزب الإسلام» إلا خيار محاربة «حركة الشباب»، على رغم رفض بعض المسؤولين هذا الخيار لاستحلاله حرمة دماء المسلمين. بيد أن هناك قناعة لدى كبار مسؤولي الحزب الآن بأن عليهم أن يردوا على هجمات «الشباب» بالمثل - لا أن يشنّوا هجوماً على الحركة - إذا أرادوا البقاء في الساحة الصومالية ليس لأنفسهم ولكن لمصلحة «الدعوة السلفية المعتدلة في البلاد». وبحسب هذه المصادر فإن «حركة الشباب» قد أخذت علماً بقرار الحزب وأرسلت وفداً للتباحث مع قادته في القضايا الخلافية، مثل إصرار الحركة على تفكيك الحزب عبر استقطاب مسلحيه وإقناع قادته الميدانيين بالانضمام إلى «الشباب» كون الحركة هي الوحيدة الساهرة على حراسة الإسلام والعازمة على محاربة أعدائه. وعلى رغم عقد بعض اللقاءات بين الطرفين، إلا أنه لم يكن هناك انفراج في العلاقة المتوترة بين الجماعتين الإسلاميتين حتى مساء الأربعاء. ولا شك أن أي قتال بينهما سيخدم الحكومة الصومالية الهشة التي لا يُعرف مدى قدرتها على الاستفادة من مثل هذه الانشقاقات في صفوف أعدائها. وكانت مجموعة الأزمات الدولية حضّت الحكومة الصومالية في تقرير لها أخيراً على الاستفادة من الانقسامات الموجودة بين «حزب الإسلام» و «حركة الشباب المجاهدين» وحتى من الانقسامات الموجودة في داخل كل منهما لتحييد المتطرفين الذين يحملون أفكاراً غير قومية. ولكن ذلك لم يحدث، إذ إن الحكومة نفسها تعاني من خلافات حادة بين قادتها الكبار - بين الرئيس ورئيس الوزراء، وبين أعضاء البرلمان أنفسهم، وفي داخل مجلس الوزراء، ما أدى إلى استقالة عدد من الوزراء في بداية حزيران (يونيو). ويقول بعض قادة «حزب الإسلام» إن المشكلة العويصة التي تواجه الحزب تكمن في «ضعف قيادة» رئيسه شيخ حسن طاهر أويس (عويس) الذي يُقال عنه إنه مغرم بإطاحة غريمه الرئيس الصومالي الحالي شيخ شريف شيخ أحمد بدل البحث عن حل يخدم مصلحة الشعب وينقذه من قبضة مسلّحي «الشباب». وينتمي كل من «حزب الإسلام» و «حركة الشباب المجاهدين» إلى التيار السلفي الجهادي، وهدفهما النهائي هو تطبيق الشريعة الإسلامية في الصومال. بيد أن هناك خلافات جوهرية بين الطرفين أهمها هل يصح أن ينطلق جهاد عالمي من الصومال الذي تعمه الفوضى ويحتاج شعبه إلى الأمن والاستقرار، وهل يصح جعل الإسلام كله جهاداً فقط. كما أن هناك خلافات أخرى مرتبطة مثلاً بتفجير الأماكن العامة لقتل أحد أعداء الإسلام. وبينما يعتبر «حزب الإسلام» نفسه أنه «أبو الدعوة في الصومال» وأن «حركة الشباب» ما هي إلا «ابن عاق شق يد الطاعة»، تعتبر «حركة الشباب» أن قادة الحزب و «رسالته المعتدلة» التي تفضّل التركيز على الدعوة قبل الجهاد لا ينتميان إلى الوقت الحاضر وإلى الصومال الذي «تصارع عليه أعداء الإسلام» وأقاموا فيه «حكومة عميلة» تحميها قوة سلام أفريقية. وعلى رغم الاقتناع الواسع بأن مقاتلة «الشباب» لن تكون سهلة وعملية سريعة الإنجاز، إلا أن هناك قناعة لدى قادة «حزب الإسلام» أيضاً بأن مسلحيهم قادرون على كسر شوكة «الشباب» والتغلب على هذه الحركة نظراً إلى الخبرة القتالية لمسلحي الحزب الذين جلّهم من بقايا مجاهدي «حركة الاتحاد الإسلامي» التي ظهرت في بداية التسعينات كأول حركة سلفية مسلحة في الصومال قبل أن تندثر في عام 1998 لتركّز على الدعوة بعد أن لحقتها هزائم على أيدي القوات الإثيوبية. وتنبع رغبة الحزب في التخلص من «الشباب» من خوف الدعاة السلفيين في القرن الأفريقي من أن اختفاءه سيعني اكتساح «حركة الشباب» وفكرها الذي يشبه فكر تنظيم «القاعدة»، الساحة الصومالية. ويقول السلفيون الذين تحدثوا إلى «الحياة» إن أي عمل غير حكيم تقوم به «حركة الشباب» في الصومال أو خارجه قد يؤذي الدعوة السلفية في المناطق التي يسكنها المواطنون الصوماليون في كل من كينيا وإثيوبيا وجيبوتي إضافة إلى الصومال نفسه. ويقولون إن النجاحات التي حققها الدعاة طوال العقود الأربعة الماضية قد تُطوى بسهولة إذا قام «شاب متهوّر بفعل طائش». وكانت الدعوة السلفية قد حققت إنجازات في الصومال وفي الدول المجاورة، حيث يعيش فيها مواطنون صوماليون. وبات من الغريب رؤية امرأة لا ترتدي غطاء كاملاً وفق رؤية السلفيين في المناطق التي يسكن فيها الصوماليون ليس فقط في الصومال بل في كينيا وإثيوبيا أيضاً. وكان لافتاً في هذا الإطار صدور كثير من الفتاوى المنددة بتصرفات «حركة الشباب» في مناطق نفوذها من قِبل علماء في إقليمي بلاد بنط «بونت لاند» و «أرض الصومال». وكان السلفيون الصوماليون يركزون قبل انهيار الحكومة المركزية في البلاد عام 1991 على نشر الدعوة، ولكن بعد شهور من انهيار حكومة محمد سياد بري الذي حاربهم بشدة وأعدم عدداً منهم بعدما رفضوا قراره بمساواة النساء بالرجال، بدأوا بحمل السلاح ضد «أمراء الحرب» الذين تقاتلوا فيما بينهم بعد سقوط حكم سياد بري. كما أسس علماء سلفيون معسكرات عسكرية لتدريب الشباب الذين شنوا هجمات على القوات الإثيوبية واستولوا على بعض المناطق في شمال شرق البلاد وجنوبها. لكن القوات الإثيوبية استطاعت دحرهم في أواخر التسعينات، ما حمل قادتهم على وضع السلاح والتركيز على مجال الدعوة. ويصعب التنبؤ بالنهاية التي ستؤول إليها الخلافات الحادة - أو المواجهات المسلحة المرتقبة - بين «الشباب» و «حزب الإسلام». إلا أن إسلاميين تحدثوا إلى «الحياة» استبعدوا أن يجد الطرفان قاسماً مشتركاً يجنّبهم الاقتتال، إذا واصلوا رفضهم تقديم تنازلات لبعضهم بعضاً.