انقطاعات الكهرباء في العراق وفلسطين والسعودية، وعناوين صحافية حول مظاهرات واحتجاجات وشكاوى وتذمر في كل مكان غابت عنه شمس «الكهرباء»، ومع أن الظروف الصعبة في العراق وفلسطين قد تبرر بعض الانقطاعات إلا أنني أنصح مسؤولي شركات الكهرباء هناك بإصدار نشرة إعلامية على غرار نشرة المشكاة التي تصدرها شركة الكهرباء السعودية، التي ازدادت شهرة في الوسط الإعلامي بعد عنوانها «لا انقطاعات في الصيف»، الذي سرعان ما ذاب في ظلام أحياء المدن السعودية التي انقطعت عنها الكهرباء، فذلك العنوان على ما يبدو كان جزءاً من حملة تسويقية موجهة لإرضاء أصحاب القرار فقط، وأعتقد أن المشكاة هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة في السعودية التي تتجرأ وتضع مثل هذا العنوان على صدر مطبوعتها! المغبونون على أمرهم والباقون في لهيب صيف السعودية الساخن ممن لا يستطيعون الهروب إلى المناطق «الباردة» لسبب أو لآخر تعودوا سنوياً على هذه «المعاناة» التي يرادفها معاناة أخرى مع تصريحات مسؤولي شركة الكهرباء. المعضلة الكبرى أن الانقطاعات «السنوية» لم تقل أو تتراجع على رغم التوسعات التي قامت بها الشركة والدعم الذي تجده، بل زاد الأمر سوءاً ليصل حد انقطاع الكهرباء عن أحياء بأكملها، بل وأجزاء كبيرة من مدن رئيسة غشاها الظلام. ومادام الحديث عن الكهرباء فلا بد أن أثني على خطوة تعيين متحدثين إعلاميين، لأنها كانت فرصة لنا للاستمتاع بتصريحات من نوعية جديدة، إلا أن مسؤولي الشركة «الكبار» فضلوا حرماننا من هذه «الفرصة» وظهروا في الصورة أيضاً، ومع ذلك فكل الظهور الإعلامي لم يوازِ الحلول التي يجب أن تتخذها الشركة لحل أزمة «الانقطاعات». ولأنني ممن يحفظون جيداً تصريحات العام الماضي والذي قبله، أو ربما تصريحات التسعينات والثمانينات، سأمر على بعضها، فمنها التصريح الشهير «الحرارة أشد هذا العام»، و«لم نكن نتوقع أن تصل درجات الحرارة إلى هذا الحد»، وكأنهم كانوا يتوقعون صيفاً تهطل فيه الثلوج، أما التصريح الثاني الأشد ظرافة فهو «نشهد زيادات عالية على الأحمال»، فهل كانوا يتوقعون أن يذهب الناس إلى المخيمات البرية أو على شواطئ البحار للاستمتاع بالأجواء المميزة، أما التصريح المحفوظ فهو «ما حدث عطل مفاجئ»، و«نحتاج إلى توسعة جديدة»، والغريب أن هذه التوسعة الجديدة لم تؤتِ ثمارها، ولا أدرى لماذا أشعر أنها تصريحات مطبوعة وجاهزة يطلب المدير من سكرتيره إخراجها وإرسالها للعلاقات العامة لتوزيعها على الصحف. لقد أصبحت هذه التصريحات «الأرشيفية» جزءاً من عاداتنا الصيفية التي نتندر بها ونقطع بها ليالي الصيف وربما لو غابت «لتكدر» صيفنا، فلا يبدو أن هناك أي تغيير سيحدث للسنوات العشر المقبلة على الأقل. أما مع نهاية الصيف وعودة المصطافين فتتغير النغمة ويبدأ العزف على أوتار جديدة على نحو «الانقطاع لن يتكرر»، و«أخذنا الاحتياطات بناءً على الدراسات والخطط للعام المقبل»، والديباجة الشهيرة «القائمون على الشركة وبناءً على التوجيهات حريصون على راحة المواطنين»، وأخيراً: «الإعلام بالغ كثيراً في تصوير الانقطاعات الاعتيادية والطارئة التي كانت لظروف خارجة عن الإرادة»، والتي يتم خلالها «التأكيد على أنهم (أي مسؤولي الشركة أثابهم الله) بذلوا كل الجهد لعلاج المشكلات التي حدثت في الصيف لضمان عدم تكرارها»، وأن «العام المقبل لن يشهد أي انقطاعات جديدة» وبالتأكيد ستبشرنا بذلك نشرة «المشكاة» لاحقاً. كل هذه التصريحات الختامية للصيف «اللاهب» ستكون بالطبع بعدما يعود مسؤولو الشركة الموقرة من إجازاتهم الصيفية في الدول التي لا تنقطع فيها الكهرباء. [email protected]