البرلمان العربي: ما يحدث في الضفة الغربية انتهاك صارخ للقانون الدولي والإنساني    المشي حافياً في المنزل ضار للقدمين    العمل المكتبي يُبطئ الحركة ويزيد الأرق    عقل غير هادئ.. رحلة في أعماق الألم    الموت يغيّب مدير تعليم المدينة سابقاً بهجت جنيد    أمر ملكي.. تمديد خدمة عبدالعزيز بن سعد أميراً لمنطقة حائل لمدة 4 أعوام    ترمب يأمر برفع السرية عن تفاصيل اغتيال جون كيندي    كاميرتك..دليل إدانتك!    %2 نموا بمؤشر التوظيف في المملكة    القبض على (12) إثيوبياً في جازان لتهريبهم 216 كجم "قات"    400 مشارك في جائزة "تمكين الأيتام "    سلمان الشبيب.. من ضفاف الترجمة لصناعة النشر    الأخضر تحت 16 يفتتح معسكره الإعدادي في جدة بمشاركة "27" لاعباً    المملكة وأميركا.. علاقة تاريخية وشراكة استراتيجية    ترامب: مستعد للاجتماع مع بوتين «فوراً» لإنهاء حرب أوكرانيا    "خالد بن سلطان الفيصل" يشارك في رالي حائل 2025    كل التساؤلات تستهدف الهلال!    العمل عن بُعد في المستقبل!    العلاقات السعودية الأمريكية.. استثمار 100 عام!    ما أحسنّي ضيف وما أخسّني مضيّف    السياسة وعلم النفس!    أمانة جدة تضبط 3 أطنان من التبغ و2200 منتج منتهي الصلاحية    غزة.. لم يتبق شيء    الثنائية تطاردنا    تاريخ محفوظ لوطن محظوظ برجاله..    تمديد فترة استقبال المشاركات في معسكر الابتكار الإعلامي «Saudi MIB» حتى 1 فبراير 2025    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    أميركا خارج اتفاقية «باريس للمناخ»    السواحه: المملكة تقود التحول نحو اقتصاد الابتكار بإنجازات نوعية في الذكاء الاصطناعي والتقنية    رحلة نفسيّة في السفر الجوّي    الإلهام السعودي.. المرأة تقود مسار التنمية    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    وزير الصناعة والثروة المعدنية يفتتح المؤتمر الدولي ال 12 لتطبيقات الإشعاع والنظائر المشعة الأحد القادم    نائب وزير البيئة والمياه والزراعة يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته ل4 سنوات    هيئة الفروسية تناقش مستقبل البولو مع رئيس الاتحاد الدولي    مانشستر سيتي: مرموش كان بمقدوره تمثيل منتخب كندا ويعتبر محمد صلاح قدوته    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة الرئيس السابق    سرد على شذى عطر أزرق بمقهى "أسمار" الشريك الأدبي في أحد المسارحة    فعالية "اِلتِقاء" تعود بنسختها الثانية لتعزيز التبادل الثقافي بين المملكة والبرازيل    إنجازات سعود الطبية في علاج السكتة الدماغية خلال 2024    هطول أمطار متفاوتة الغزارة على معظم مناطق المملكة.. ابتداءً من اليوم وحتى الاثنين    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    ولي العهد للرئيس الأمريكي: توسيع استثمارات السعودية مع الولايات المتحدة ب 600 مليار دولار    1000 معتمر وزائر من 66 دولة هذا العام.. ضيوف» برنامج خادم الحرمين» يتوافدون إلى المدينة المنورة    أمير الشرقية يستقبل الفائزين من "ثقافة وفنون" الدمام    أفراح آل حسين والجحدلي بزواج ريان    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    ثقافة الابتسامة    وصية المؤسس لولي عهده    القيادة تعزي الرئيس التركي في ضحايا حريق منتجع بولو    سليمان المنديل.. أخ عزيز فقدناه    ندوة الإرجاف    المجتمع السعودي والقيم الإنسانية    فرص للاستثمار بالقطاع الرياضي بالمنطقة الشرقية    "ملتقى القصة" يقدم تجربة إبداعية ويحتضن الكُتّاب    اختتام المخيم الكشفي التخصصي على مستوى المملكة بتعليم جازان    رابطة العالم الإسلامي تعزي تركيا في ضحايا الحريق بمنتجع بولاية بولو    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خواطر متنافرة حول المونديال: بين الشغف والوطنية
نشر في الحياة يوم 30 - 06 - 2010

من حقّ هوغو تشافيز أن يقول إن نتائج مونديال جنوب أفريقيا أثبتت العجز الذي أصاب «أوروبا القديمة» وأن انكماشها الكروي انعكاس لانكماشها الاقتصادي. وفي ذلك يعكس هو نفسه أيضاً مدى إمكانية استخدام كرة القدم لخدمة الوطنيات بوجهيها الاجتماعي والاستبدادي، من أجل تقدّم الإنسانية أو تمرير الاعتداء على الإنسان وحقوقه، ليظهر ازدواج هذا الشغف الغامر.
هناك أوجه شبه بين الحرب وكرة القدم في مدى اتّساع العلاقة بين كلٍّ منهما بالسياسة والثقافة والتحوّل الاجتماعي في المجتمعات الوطنية والمجتمع الدولي. ولا يمكن إلاّ التحليق بمثل هذه الأفكار مع الانبهار الشامل بالمونديال، الذي يشتعل مهرجانه في جنوب أفريقيا، والعالم من حولها. فلكرة القدم، كما يبدو، تأثيرها الكبير في تظهير الروح الوطنية وتعزيزها لدى الناس من جهة، وفي تكريس سلطة السلطات بكلّ أنواعها من جهة أخرى، من الديكتاتوريات إلى الديموقراطيات، ومن الطبقات السائدة إلى المسودة المعترضة، من الحاكمين إلى المعارضين، من الذكور إلى الإناث، من أهل الهوية والخصوصية إلى دعاة العولمة والجامع الإنساني، بغض النظر عن علاقتها بالاقتصاد أو السياحة أو تحريك عجلة الاقتصاد - الاجتماع - السياسة.
إضافة إلى الحرب، تشبه كرة القدم في مبارياتها، وخصوصاً في أعراسها الدولية كهذا الذي نتابعه حالياً؛ طقساً وثنياً - علمانياً (كما يقول أحد البحوث الاجتماعية)، تمثّل فيه الملاعب مزارات دينية يحفّ بها الناس المحتفلون المبتهلون، أو كاتدرائيات هائلة لمعبود غامض ومتجسّد في الوقت نفسه. وبهذه المرآة، يمكن كرة القدم أن توازي الدين في تأثيره في الجماهير، أو تحلّ محلّه أحياناً، وتفعل فعله العجيب في المشاعر السياسية والاجتماعية - الاقتصادية، أو القومية والوطنية.
يقول عالم الاجتماع الفرنسي بودريار: «لم تعد كرة القدم محصورة في حقلها، فهي تتعدّى إلى الحقول كلها، الاقتصاد والعلوم والفنون والثقافة... الرياضة عموماً لم تعد محصورة، بل تعدّت إلى عالم الأعمال والجنس والسياسة ونموذج الأداء الشامل».
كما كتب اليساري الأوروغواياني الشهير إدواردو غاليانو عملاً متميزاً في الموضوع «كرة القدم: بين الشمس والظلال»، تحدث فيه عن خصوصية العلاقة بينها وبين الشعوب الأميركية اللاتينية. وكتب المدرب الأرجنتيني أنجيل كابا، الذي نفته حكومته العسكرية في السبعينات من القرن الماضي نصاً بصيغة حوار فلسفي على طريقة سقراط أو هابرماس، بين لاعبي كرة القدم المعتزلين وأعلامٍ من أهل الأدب اللاتيني.
تَظهر دعوة «اللعب من أجل اللعب» على نسق «الحياة من أجل الحياة»، ويبدو انتشار «مسألة الإثارة» انتصاراً للمتعة واللعب على الروابط الاقتصادية والاجتماعية. وفي المخيلة الشعبية، ترتفع كرة القدم كمعادل للعاطفة والوجد والخيال الجامح والعفوية والغريزة والإيقاع والعجز عن التنبؤ... هي الألوان والكرنفال.
لكن الجانب الأعمق يُظهر أن كرة القدم قوة دافعة للهوية الوطنية، لذلك شاع استخدامها أداة في الأنظمة السلطوية والديكتاتورية، ولتثبيت استيلاء النخب الاقتصادية الاجتماعية المختلفة عليها لتخميد قدرة الفئات الشعبية - أو تنشيطها -، وإمكانيات جماهيريتها كوسيط للتحولات الاجتماعية - أو كابحٍ لها -، الأمر الذي يدفع إلى دراستها كامتداد للأحاسيس المرتبطة بالدور التاريخي للألعاب والرياضة والثقافة الإنسانية.
لاحظ المؤرخ إيريك هوبسباوم أيضاً أنه في كرة القدم «تبدو الجماعة المتخيلة من الملايين أكثر واقعية من فريق من أحد عشر لاعباً». وعنده، يكون الإنتاج الثقافي لكرة القدم قادراً على كبح المخيلة الشعبية وإنهاض كلٍّ من الميول الوطنية أو حتى الشوفينية بشك أكثر تماسكاً من الحقول الأخرى للبنية الثقافية والسياسية. وهي بكونها رياضة تستهدف الجماهير من دون تمييز اقتصادي اجتماعي تستدعيه رياضات أخرى أكثر كلفةً، مثل الركبي والغولف والتنس وقيادة السيارات أو حتى الدراجات. بذلك أيضاً تكون كرة القدم أكثر «وطنية» من جهة، وأكثر «شعبية» من جهة ثانية، وأكثر «ديموقراطية» من جهة ثالثة. لذلك أيضاً يتزايد اهتمام السلطات بأنواعها بها، والديكتاتورية منها خصوصاً، كما ينبغي لها بالأحرى أن تكون محط اهتمام دعاة التغيير والحرية وأنسنة العالم.
ليست الوطنية وحدها، بل الذكورة أيضاً. فتعابير مثل القوة والرجولة والشجاعة والمراوغة، وجماهير تصرخ بعنفٍ ذكوري، ورجال يتنحون عن الجنس «الآخر» ليتمتعوا بالفرجة على كرة القدم؛ كلّها مظاهر تميل إلى تكريس التمييز في حقل الجندر، لا ترى النساء سبيلاً إلى اختراقه؛ بعد عداءٍ علني طويل له؛ إلا الاندماج في حميّاه العارمة بمقدار ما يمكن ذلك. وكذلك الاندماج في اللعب بذاته، وتكوين فرق نسائية لكرة القدم، ولو من طريق اعتماد علائم الذكورة ذاتها. لكن هذا لن يمنع دوراً محتملاً للكرة في تحطيم امتناع مسألة الجندر على الحل حتى الآن، كآخر وأعمق مقاومة للتقدم الإنساني الشامل والمفتوح.
لكن، يمكن استثمار كرة القدم لتعزيز الوطنية من حيث هي أداة لاستقرار سلطة الاستبداد، أن يتطور في ظروف الأزمة إلى أداة للقمع وضرب المثل، كما حدث في تشيلي بعد الانقلاب على ألليندي، حين أصبح تجميع الضحايا في ملعب كرة القدم خبراً معتاداً ( فيكتور خارا).
في المشهد الكروي الحالي تظهر أمثلة عدة: انتعاش أميركا اللاتينية، وتدهور أوروبا بقيادة فرنسا وإيطاليا مع نجاة إسبانيا وهولندا وتردد أوضاع ألمانيا وإنكلترا، وتقدم الولايات المتحدة وآسيا بجناحها المتطور في اليابان وكوريا الجنوبية، وحماسة أفريقيا مع عجزها عن استكمال النهوض بإمكانياتها المتأخرة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً حتى الآن.
لكن التأخر والعجز لا تمكن مشاهدتهما بعمق كما يمكن ذلك في حقل الكرة العربية. ووصول منتخب الجزائر بمسيرته ودعايته واشتراك الشعب والسلطات في الحماسة مع تأييد عربي يحمل عفوية قومية وموقفاً متضامناً مع «المظلومين» في العالم، لكنه لا يتوقف كثيراً عند الأمر، ولا يتصاعد ويتوسع مع حلول دوافع أخرى للحمى محله، تفسح حيّزاً للبرازيل والأرجنتين أو حتى ساحل العاج أو اليابان. وفي ذلك تفوق للعولمة أو الأممية في شكلهما الإنساني على الوطنية والقومية من حيث هما أداة للاستبداد والهيمنة، وليس لبناء دولة مدنية ديموقراطية متقدمة، يبقى للشغف والمتعة فيها دور كبير.
أخيراً، للشغف بالأندية وسلسلة مبارياتها دور كبير في تقديم الجانب الاجتماعي المدني من الوطنية على السلطوي، فهمته بعض الديكتاتوريات، فشتتتها ثم أعادت تركيبها على شكلها وهواها. لكنها تتملّص دائماً، ليظهر في ذلك ذكاء «الكتلة التاريخية» الفطري. وفي ذلك لن تنجو «الدول الفاشلة» من قضائها وقدرها. وهذا لا ينفي حلم انفلات الوطنية من الهيمنة والتحكّم، إلى ملكوت الحرية والمدنية. وهذا الحلم قد يفسّر جانباً من حمّى المونديال.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.