إن أهم معضلة يعانيها الاقتصاد العراقي وبالتالي الدولة العراقية هي مشكلة الفساد المالي الذي ضرب جذور الدولة. وما يعمق هذه المشكلة هو الانفلات غير المعقول في الإنفاق الحكومي، فتتعمق مشكلة الفساد بعدم وجود جهات رقابية فاعلة وعدم تطبيق القوانين الردعية، إذ اصبح أسهل شيء في العراق ان يمارس المسؤول الحكومي الفساد بكل صوره وحتى مع فرضية إثارة هذا الموضوع عليه من جهات رقابية أو برلمانية، فمجرد النفي أو الضغط السياسي من طريق كتلته كفيل بإنهاء الموضوع فيستمر في ممارسته للفساد الى حين إقالته أو عزله وظيفياً ويغادر بصورة طبيعية العراق الى أية دولة ليعيش في العلن بالأموال التي آلت إليه والى أفراد عائلته نتيجة الفساد المالي الذي مارسه. إن الصحف والمجلات الغربية والعربية تحفل بأسماء الكثير من الأثرياء الجدد من المسؤولين العراقيين الحاليين أو السابقين ممن يشترون أو يستثمرون بملايين الدولارات في دول أجنبية وعربية، وسط صمت رسمي عراقي مريب، إذ لا أحد يرغب بفتح ملفات الفساد والبلايين التي تتبخر يومياً. ويتجلى نزيف الاقتصاد العراقي وتبديد الموارد بصورة واضحة في الإنفاق الحكومي سواء من حيث تشكيل وزارات صورية بلا فائدة عملية وتخصيص موازنات ضخمة لها، كوزارة حقوق الإنسان ووزارة البيئة ووزارة المهجرين والمهاجرين ووزارات أخرى يغلب على عملها الطابع الشكلي أكثر من النتائج العملية، إضافة الى المناصب العليا المستحدثة والتي تكلف خزينة الدولة الكثير من النفقات التي لا مبرر لها، فرئيس الوزراء العراقي لديه حوالى 80 مستشاراً بدرجة وامتيازات ورواتب ومخصصات وحمايات وزير، وهي حالة فريدة في العالم، والأغرب انه بخروج رئيس الوزراء، فإن هؤلاء المستشارين يحالون على التقاعد بامتيازاتهم نفسها أو شيء مقارب لها. ومما يزيد من وطأة الإسراف في الإنفاق الحكومي تراكض أعضاء البرلمان العراقي المؤسف لحصد المزيد من الامتيازات وفي شكل غير معقول، فمن قرار منح الجوازات الديبلوماسية مدى الحياة لهم ولعوائلهم الى تمتعهم براتب وامتيازات الوزراء، والأغرب انه في حال فشل المرشح في الدورة البرلمانية المقبلة، أي في حال معاقبة الناخب له، فإنه يكافأ بالجواز الديبلوماسي له ولعائلته مدى الحياة ويبقى يحصل على الامتيازات المالية نفسها التي تمنح له كعضو في البرلمان، وهي حالة لافتة وغير معقولة.