أجد أوجه شبه كثيرة بين الانتخابات الأميركية وأهم بطولات الرياضة العالمية، أي كأس العالم والألعاب الأولمبية. في الولاياتالمتحدة تجرى كل سنتين انتخابات مجلس النواب كله، وثلث مجلس الشيوخ، وتجرى كل أربع سنوات هذه الانتخابات ومعها انتخاب الرئيس الأميركي. وهكذا فكأس العالم في كرة القدم تتزامن مع الانتخابات النصفية، وهي أقل أهمية من الألعاب الأولمبية، كما ان الانتخابات النصفية أقل أهمية من الانتخابات التالية لها بعد سنتين. وإذا كان هناك وجه شبه آخر فهو ان الانتخابات الأميركية والكأس والأولمبياد تكلف بلايين الدولارات، الأولى يبرز فيها لوبي اسرائيل والأخرى شركات الأحذية، أحذية الكرة وألعاب القوى وغيرها. وهنا يتوقف التشابه لأن الأحذية أشرف كثيراً من لوبي اسرائيل والمتطرفين من أركانه. ثم إن عضو الكونغرس ولاعب الكرة لا ينجحان إلاّ إذا كان كل منهما ممثلاً ماهراً، والأول يدّعي ان عينه وقلبه على مصالح الناخبين، والثاني يسقط من لمسة أو نسمة هواء وكأنه أصيب برصاصة في بطنه. ولم يبقَ لي اهتمام شخصي بالبطولة بعد خروج الجزائر، وان كان من عزاء فهو ان حاملة الكأس ايطاليا خرجت معنا في الجولة الأولى وتبين ان «الازوري» زجاج أزرق «فالصو»، كما خرج «ديوك» فرنسا وقد لعب كل منهم مثل «فرخة»، وتبعتهما بريطانيا و «أسودها» الذين تبين انهم من ورق. في مثل هذا الوضع لا يبقى لي سوى السخرية من الكرة ولاعبيها فالكأس تخذلني مرة كل أربع سنوات، وأنا أنتظر أن يفوز فريق عربي بالكأس، أو يصل الى نصف النهائي... حسناً، أقبل ربع النهائي، وخفض سقف توقعاتي يشبه خفض توقعاتنا جميعاً للسياسة العربية. في نصف النهائي جلس زوجان عربيان قرب شاب وشابة تبادلا قبلاً حامية أكثر من المباراة. وقال الزوج لزوجته إنه لا يعرف هل يتابع المباراة أو يتابع الشابين بجانبهما. وقالت: تابع الشابين لأنك تعرف كيف تلعب «كورة». امرأة أخرى كانت تصرخ طوال المباراة: اقتلوا الحكم. وسواء فعل الحكم شيئاً أو لم يفعل كانت هذه المرأة تصرخ: اقتلوا الحكم، ولفت نظرها متفرج جالس بقربها الى ان الحكم لم يفعل ما يبرر هتافها. وقالت: اسمع، أنا زوجته وقد اكتشفت اليوم ان له عشيقة. أبقى معهن، فالمرأة في موسم الكرة الوطني، وحتماً في موسم الكأس، تُسمّى في الغرب «أرملة كرة» لأن زوجها يتركها ويتفرغ لمتابعة المباريات. وحاولت زوجة أن تشد انتباه زوجها اليها وهو على «كنبة» أمام التلفزيون ساعة بعد ساعة، فارتدت ثياباً داخلية شفافة مثيرة وسارت أمامه، إلا أنه لم يرها مع تركيزه على الكرة. وأخيراً طلعت بفكرة عبقرية لجذب انتباهه، فقد وضعت على ظهرها رقماً كأي لاعب. ومن الزوجة الى الزوج فهو يقول لصديقه: تصوّر، أنا أتابع المباراة على التلفزيون، وأستمع الى سير مباراة أخرى على الراديو، وأشرب (كازوزة طبعاً)، وأداعب الكلب الجالس أمامي بقدمي، ثم تدخل زوجتي وتقول انني لا أفعل شيئاً. زوجة أخرى قالت لزوجها: انت تتنفس كرة، تأكل كرة، تشرب كرة، تفكر كرة. ورد عليها: أجد أنك أخطأت الهدف. أعود الى الكأس التي نحن فيها، وبصراحة لم يعد يهمني من يفوز بالكأس طالما انه ليس الجزائر، وأبدأ الاستعداد نفسياً للأولمبياد حيث مجالات الفشل العربي أوسع، والبنت شكت لخطيبها أنه يفضل الكرة عليها، وقال: صحيح انني أفضل الكرة عليك، إلا أنني أفضلك على ألعاب القوى ورفع الأثقال والسباحة والملاكمة. لماذا نخسر باستمرار؟ في الكرة لاحظت ان الفريق العربي يظل عظيماً واعداً حتى يبدأ اللعب. وفي الأولمبياد ربما كان السبب أن جميع الشبان العرب الذين يجيدون الركض والقفز والسباحة وصلوا الى أوروبا مهاجرين غير شرعيين. ماذا أزيد؟ وصل متفرج الى الملعب والمباراة تكاد تنتهي وسأل عن النتيجة فقيل له: صفر - صفر. وسأل ثانية: وماذا كانت النتيجة في الشوط الأول؟ هنا وجه الشبه ان كلاً من اللاعب والمتفرج عقله في قدميه. مع ذلك أظل أرجو أن نفوز يوماً، إلا أنني لا أراه يوماً قريباً، وقد سمعت عن عربي وابنه أُهدِيا تذكرتين لنهائي الكأس في بلدهما. وأوقف سيارته لشراء سجاير صحية، ثم عاد اليها ووجد الزجاج مكسوراً، فأخذ يصرخ أن لصّاً كسر الزجاج لسرقة التذكرتين اللتين تركهما على المقعد. ونظر ابنه الى داخل السيارة وقال: بابا، اللص ترك لنا تذكرتين أخريين. عندي تذكرتان لمن يريد. [email protected]