لم تبدّل زيارة موفد الرئيس الفلسطيني عزام الأحمد بيروت ولقاءاته مع الرؤساء الثلاثة والقيادات السياسية الرئيسة مواقف الزعماء المسيحيين من اقتراح القانون الذي تقدم به رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط الرامي الى منح الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في لبنان واستحضر انقساماً حاداً بين القوى السياسية ومزايدة بين المسيحيين على خلفية ان اقرارها من شأنه أن يدفع باتجاه توطينهم في لبنان... ومع أن الأحمد غادر بيروت مبدياً عدم ارتياحه الى المواقف التي سمعها من بعض القيادات المسيحية وخصوصاً رئيس حزب الكتائب الرئيس أمين الجميل بذريعة أن منح الحقوق المدنية في ظل غياب الضوابط يسهل توطين الفلسطينيين في لبنان، فإن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لا يزال، كما نقل عنه الأحمد، على تفاؤله بأن اقتراح القانون سيرى النور عاجلاً أو آجلاً وانما بعد أن يصار الى تهدئة الأجواء والتعاطي مع الحقوق المدنية بواقعية بعيداً من المزايدة. وعلمت «الحياة» ان جنبلاط، وبحسب مصادره، لم يتوخ من التقدم باقتراح القانون في خصوص الحقوق المدنية للفلسطينيين التسبب بإحراج هذا الطرف أو ذاك بمقدار ما انه أراد أن يضع يده على الجرح انطلاقاً من ضرورة توفير الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية لهم. وكشفت المصادر نفسها ان جنبلاط كان أثار هذا الموضوع مع الرئيس السوري بشار الأسد عندما التقاه للمرة الأولى بعد قطيعة استمرت 5 سنوات وتمنى عليه القيام بدور مساعد لدى رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون سواء من خلال الاتصالات المباشرة معه أم عبر حليفه «حزب الله». ولفتت المصادر عينها الى أن جنبلاط أثار موضوع الحقوق المدنية مع عون في زيارته الأولى للمختارة وأن الأخير أبدى تفهماً للأسباب التي عرضها جنبلاط في اقتراحه اقرار الحقوق المدنية مبدياً ملاحظة تتعلق بإعطاء الفلسطينيين حرية التنقل لجهة السفر الى الخارج في حال أتيحت لهم فرص للعمل. وأوضحت أن «اللقاء الديموقراطي» اتخذ قراره بتخفيف اللهجة في شأن الحقوق المدنية لاستيعاب الأجواء الرافضة لاقتراح القانون عبر فتح حوار يقطع الطريق على إحداث انقسام جديد يؤدي الى تطييف الموقف من الفلسطينيين. واستغربت المصادر ما تردد أخيراً من أن جنبلاط اختار التوقيت المناسب لطرح الحقوق المدنية بغيبة إحداث شرخ بين رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وحلفائه من المسيحيين في قوى 14 آذار وسألت إذا كان البعض يعتقد ذلك فماذا سيقول عن الاختلاف الذي ظهر جلياً بين قوى المعارضة سابقاً وخصوصاً الرئيس بري والعماد عون ناهيك بأن حليف الأخير، أي «حزب الله»، يسعى الى تلطيف موقفه. وإذ نوهت بموقف الحريري في الجلسة التشريعية التي طرحت فيها الحقوق المدنية، فإن مصادر أخرى سألت عن الازدواجية في موقف «التيار الوطني الحر» من اقتراح القانون والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات في ضوء إجماع مؤتمر الحوار الأول الذي عقد في البرلمان في آذار (مارس) 2006 برعاية بري على ضرورة جمعه وتنظيمه داخل المخيمات. وفي هذا السياق رأت المصادر ان موقف «التيار الوطني» من السلاح الفلسطيني خارج المخيمات يشكل خروجاً على إجماع مؤتمر الحوار، وإلا ما معنى الإبقاء عليه لمنع توطين الفلسطينيين في لبنان؟ وكذلك الإبقاء على سلاح المقاومة الى حين ضمان تطبيق القرار الدولي الرقم 194 بخصوص عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم؟ واعتبرت المصادر ان من يتذرع بالإبقاء على السلاح الفلسطيني خارج المخيمات لمنع التوطين، حري به أن يوافق على منح الفلسطينيين بعض حقوقهم الإنسانية باعتبار ان ذلك يؤدي الى استيعاب «التأزم» المسيطر على العلاقات اللبنانية - الفلسطينية ويساهم أيضاً في محاصرة «البؤر الأمنية»، وانهاء كل أشكال التوتر سواء داخل المخيمات أم مع جوارها. وأكدت ان ادارة الظهر للحد الأدنى من الحقوق المدنية ستدفع باتجاه تعميم ظاهرة التطرف داخل المخيمات من جانب بعض المجموعات المتشددة التي تزداد قوة في حال تعميم الفوضى والاضطراب في المخيمات أو مع جوارها اللبناني، مشيرة الى ان لا مصلحة بتطويق قوى الاعتدال في الشارع الفلسطيني أو في انهيار الوضع الفلسطيني بما يفقد هذه القوى السيطرة على المخيمات. ورأت ان لدى بعض القوى في 14 آذار والمعارضة سابقاً مخاوف مشتركة من تمدد ظاهرة الفوضى والانفلات في المخيمات، وقالت ان الإقرار ببعض التشريعات المدنية للفلسطينيين سيؤدي الى تنفيس الاحتقان وشيوع حال من الاستقرار بين المخيمات ومناطق الجوار. وسألت هذه المصادر عن أبعاد الربط بين تنفيذ ما أجمع عليه مؤتمر الحوار الأول في شأن جمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وبين الإقرار بالحقوق المدنية للفلسطينيين تارة وبين ترسيم الحدود اللبنانية - السورية في منطقة البقاع تارة أخرى بذريعة ان الترسيم يمكن أن يحدد ما إذا كانت المعسكرات الفلسطينية تقع داخل الأراضي اللبنانية أو السورية وعليه يصار الى ايجاد حل لهذه المعضلة؟ وبالنسبة الى الموقف السوري من الحقوق المدنية، أعربت المصادر عن اعتقادها بأن وجهة نظر دمشق من هذه المسألة أخذت تتبدّل لمصلحة الإقرار بها خلافاً لمواقفها السابقة في عهد الرئيس السابق اميل لحود، لكنها تستبعد أن تكون مستعدة لحشر العماد عون في الزاوية. وأضافت ان دمشق تنصح بفتح حوار هادئ بعيداً من تسجيل المواقف أو المزايدات، ما يشكل نقطة التقاء مع «حزب الله»، على رغم ان بري بادر في الجلسة التشريعية الى سحب اقتراح القانون وإحالته على اللجان المشتركة عندما بدأ يشعر بأنه سيولّد انقساماً بين المسلمين والمسيحيين. لكن بري أعطى فرصة جديدة للجان النيابية علها تتوصل الى نقاط مشتركة تسمح بإعادة طرح الاقتراح على الهيئة العامة في جلسة لاحقة موعدها في النصف الثاني من الشهر المقبل، علماً أن لديه بعض الملاحظات على اقتراح القانون تستدعي اعادة النظر فيه. ونقلت المصادر عن بري قوله انه كان يتوقع من رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب روبير غانم في الاجتماع الأخير للجان النيابية أن يضع اقتراح القانون على سكة النقاش بدلاً من أن تبحث في اقتراح القانون المقدم من عون وعدد من أعضاء كتلته النيابية بخصوص ادخال تعديلات على قانون تملك الأجانب في لبنان الذي يفترض أن يدرس بعناية للتأكد من الجدوى الاقتصادية للتعديلات المقترحة لتبديد المزاج السائد لدى أطراف واسعة من اللبنانيين من انه يستهدف تملك الرعايا العرب في لبنان... لذلك يقف لبنان حالياً أمام مرحلة جديدة من تمرير الوقت الى حين جلاء التطورات على الجبهتين الإقليمية والدولية، وهذا يستدعي الحفاظ على الاستقرار الداخلي وعدم تعريض جبهته الى انقسام جديد أو الى انتكاسات تهدد الجهود الهادفة الى التهدئة... لكن تمرير الوقت لا يبرر، كما تقول مصادر وزارية، استمرار الجمود على صعيد تحريك العمل الحكومي أو استحضار المزيد من الملفات التي يمكن ان تشغل بال اللبنانيين من دون فائدة، لافتة في هذا المجال الى أن الحريري بدأ يتبع منذ فترة سياسة الصمود المرن لاستيعاب التأزم، أكان مزمناً أم طارئاً، والعمل لتحريك عجلة الحكومة من ناحية ثانية، لا سيما ان إبحار سفينتي «جوليا» (ناجي العلي) و «مريم» من الموانئ اللبنانية من أجل فك الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة بدأ يقترب من فصله الأخير في ضوء ما تردد من ان التلويح بإبحارهما أدى غرضه الإعلامي والدعائي وبالتالي لا بد من تجميد إبحارهما... وفي هذا المجال قالت مصادر مواكبة للتحضيرات التي أجريت أخيراً لإبحار السفينتين «جوليا» و «مريم» ان الاتصالات أدت الى صرف النظر عن هذه الخطوة في الوقت الحاضر، خصوصاً انها لم تبلغ مداها الإعلامي والسياسي أسوة بما تحقق من رد فعل عربي ودولي غاضب عندما اعترضت اسرائيل «سفينة الحرية» التي أبحرت من تركيا باتجاه غزة وقتلت عدداً من النشطاء بينهم تسعة أتراك. وأكدت المصادر ان الفرق بين إبحار «سفينة الحرية» من تركيا الى غزة والإعداد لإبحار سفينتين من لبنان يكمن في أن الأولى نجحت في كسب رأي عربي ودولي كان وراء توفير الغطاء لها، من جهة، وتوظيف الاعتداء عليها بحملة سياسية واسعة ضد اسرائيل، بينما لم يتوافر ذلك حتى الآن ل «جوليا» و «مريم»، خصوصاً بعد تراجع طهران عن ارسال سفينتين الى غزة... اضافة الى ان الظروف السياسية الراهنة ليست مواتية كما كانت ل «أسطول الحرية» التركي الذي شكل إحراجاً عالمياً لتل أبيب.