لا يزال العلاج على نفقة الدولة يمثل أحد الملفات الساخنة في مصر لتعلقه بهموم ملايين المواطنين ممن يعيش معظمهم تحت خط الفقر، ويخشون من أن تتخذ الدولة فجأةً قراراً ينهي مسؤوليتها عن تحمل تكلفة علاجهم. فتح الملف بداية السنة، باتهام أعضاء مجلس الشعب (البرلمان) بناء على تقرير رقابي، بحصولهم على قرارات علاج على نفقة الدولة بملايين الجنيهات، لأبناء دوائرهم الانتخابية ولذويهم في مستشفيات خاصة. وغطت القرارات جراحات شفط الدهون وتجميل وتصحيح أبصار بعمليات ليزر. ومثل هذه الخدمات لا تغطيها نفقات الدولة. تبعها اتخاذ وزارة الصحة إجراءات من شأنها تقليص إصدار قرارات العلاج على نفقة الدولة لأعضاء البرلمان، مع فتح تحقيق لتحديد حجم التجاوزات وتحديد المتهمين. وقي المقابل اتهم النواب المعنيون وزارة الصحة بالسعي إلى التنصل من مسؤوليتها عن علاج المواطنين على نفقة الدولة مع أنه حق يكفله الدستور. ويرى النائب في مجلس الشعب (البرلمان) عن دائرة في محافظة دمياط عمران مجاهد، وهو من ضمن من شملهم الاتهام بسوء استغلال قرارات العلاج على نفقة الدولة، أن الإجراءات التي اتخذها وزير الصحة حاتم الجبلي لتقليص القرارات استهدفت تغطية عجزه في إدارة المنظومة التي تمثل المتنفس الوحيد للمرضى الفقراء والعمل على إلغائها. وقال إن وزير الصحة أصلاً رجل أعمال يمتلك مستشفيات ولا تهمه صحة المرضى الفقراء. وأضاف: «النائب يحصل على قرارات العلاج من المجالس الطبية ويسلمها إلى المرضى فما هي شبهة سوء الاستخدام في هذا الأمر؟». وأرجع مجاهد المشكلة إلى أن وزير الصحة استحدث علاج الفيروس الكبدي (سي) قبل نحو ثلاث سنوات، وهذا العلاج يلتهم سنوياً 600 مليون جنيه من موازنة العلاج على نفقة الدولة، ومن ثم زاد حجم الديون المستحقة على الوزارة للمستشفيات وتقلصت فرص زيادة تلك الموازنة في ضوء ازدياد أعداد المرضى من الفقراء. لا نية للإلغاء وأكد مساعد وزير الصحة للاتصال السياسي عبدالحميد أباظة عدم وجود نية لدى الحكومة لإلغاء العلاج على نفقة الدولة لأنه أولاً لا يوجد فساد بالمعنى الذي يروج له البعض. وأعلن عن وضع ضوابط «لنضمن وصول القرارات إلى المحتاجين، وبالنسبة إلى المشاكل التي أثيرت في الفترة الأخيرة فنحن في انتظار تقارير الجهات الرقابية التي تحقق لتحديد المخالفات». ويرى أباظة أن المريض لم يعد في حاجة إلى عضو في مجلس الشعب ليحصل على العلاج، فالنائب مهمته التشريع وتقديم خدمات إلى أهل دائرته مثل رصف الطرق وتأمين المياه النظيفة. ووفقاً للتنظيم الجديد فإن على المريض التوجه إلى مستشفى قريب من إقامته ليفحصه طبيب ويقرر إذا كان في حاجة إلى قرار للعلاج على نفقة الدولة أو لا. وتشمل مجالات العلاج على نفقة الدولة عمليات القلب والغسيل الكلوي والعمليات الدقيقة في الدماغ والأعصاب وجراحات العظام مثل تغيير المفاصل وعلاج الأورام وعلاج فيروسات الكبد بالانترفيرون والعلاج الدوائي للأمراض المزمنة. أما الجراحات البسيطة والتدخلات المحدودة فإن المستشفى مسؤول عن تقديمها إلى المريض من دون الحاجة إلى قرار علاج على نفقة الدولة. وتوجد إجراءات رادعة – كما يقول أباظة - ضد أي مستشفى يتقاعس عن تقديم الخدمة الصحية إلى المريض. ويرى أن المشكلة الأساسية للعلاج على نفقة الدولة تكمن في نقص التمويل لأن أسعار الخدمات الصحية في الكود الخاص بالعلاج على نفقة الدولة، أقل بكثير من التكلفة الفعلية لها ولا بد من تعديل الأسعار في قوائم العلاج على نفقة الدولة. ووفقاً لأباظة ألغي التعاقد مع المستشفيات التي تغالي في الأسعار، ويتم الآن الاعتماد في علاج 90 في المئة من الحالات على مستشفيات وزارة الصحة والمراكز المتخصصة والمستشفيات الجامعية، إضافة إلى مستشفيات القوات المسلحة والشرطة. ويلمّح أباظة إلى أن قانون التأمين الصحي الجديد الذي تعده الحكومة حالياً ليعرض على مجلس الشعب خلال العام المقبل سيحل مشاكل العلاج على نفقة الدولة. تقنين أستاذ الأمراض الصدرية المدير العام لمستشفيات جامعة القاهرة الدكتور أشرف حاتم يرى، أن العلاج على نفقة الدولة فكرة نبيلة تهدف إلى علاج المرضى الذين لا تشملهم مظلة التأمين الصحي. وعند تدشين هذا النظام كان يُتخّذ القرار بواسطة لجنة طبية، وكان هناك تحديد للأمراض التي تُعالج على نفقة الدولة وهي العمليات الدقيقة والصعبة. وكانت القرارت تصدر بالعلاج أو المساهمة فيه. والمشكلة بدأت مع ازدياد المرضى وعدم زيادة موازنة تشغيل المستشفيات العامة والمركزية والجامعية، فبدأت في الاعتماد على قرارات العلاج على نفقة الدولة والتوسع فيها، وأصبح إجراء أي جراحة يستلزم استخراج قرار علاج. ويضيف حاتم سبباً آخر، وهو استخراج قرارات العلاج لحساب مستشفيات استثمارية، وبالتالي تكون تكلفة الخدمة مرتفعة، في حين من الطبيعي أن يتم العلاج على نفقة الدولة في المستشفيات الجامعية والمركزية والعامة، حيث توجد تعريفة موحدة، وهنا كان دور الوساطة واستغلال أعضاء في مجلس الشعب وغيرهم نفوذَهم، في استخراج قرارات بخدمات صحية تجميلية أو تكميلية. زيادة الوعي الصحي ويرى الدكتور مرتجى نجم، أستاذ جراحة القلب أمين عام هيئة المعاهد والمستشفيات التعليمية، (تضم عدداً من المستشفيات والمعاهد العلاجية المتخصصة) أن مشاكل العلاج على نفقة الدولة نتيجة زيادة احتياج المواطنين للعلاج بسبب انتشار الأمراض المزمنة التي يحتاج علاجها مبالغ تفوق قدرات الأفراد، مثل الفشل الكلوي ومضاعفات مرض السكري ومضاعفات أمراض القلب أو الأورام وأيضاً علاج الفيروسات الكبدية. ويضيف نجم أن هذا يتطلب موازنات ضخمة، فتكلفة الغسيل الكلوي تصل إلى 220 مليون جنيه سنوياً، والمبلغ لا عائد منه فهو لا يمثل علاجاً وإنما يظل المريض يجري غسيلاً للكلى لثلاث مرات أسبوعياً إلى أن يتم زرع كلى له. وبحسب نجم لا بد من زيادة الوعي الصحي للمريض المصري لتفادي الوصول إلى مضاعفات خطيرة، فعدم الاهتمام بحصوات الكلى وعدم ضبط معدل السكري في الجسم، وضغط الدم وعدم تناول الغذاء الصحي وممارسة الرياضة يؤدي إلى الإصابة بأمراض تعجز وزارة الصحة عن تدبير نفقات علاجها أحياناً، ولكن هذا لا يعني مطلقاً إلغاء العلاج على نفقة الدولة لأنه ينفق على المستشفيات وهو استقطاع من العلاج المجاني يتم توجيهه إلى موازنة المستشفى ليغطي تكاليف التشغيل والعمليات البسيطة والطارئة. ويؤكد نجم أن أهم عنصر يضمن الاستمرار في تقديم الخدمة الصحية هو التمويل الدائم، ما يحتاج إلى دعم جهات أخرى، بخلاف الموازنة العامة للدولة، منها المؤسسات الخيرية ورجال الأعمال.