مونديال أفريقيا، لم ينصف كثيراً من المنتخبات التي راهنت على أن تقول كلمة، فقالت نصف كلمة وانصرفت، أو ربما لم تقل شيئاً وخرجت من حيث لا تعلم، أمام دهشة العالم الذي راهن على أن يكون اللقب لهذا الفريق من دون الآخر، لكن أوراق خريف المونديال تساقطت بمفاجآت أكبرها بكاء الطليان، ونحيب الديكة وعويل المنتخبات الأفريقية. نجوم فرنسا خرجوا من أبواب متفرقة، فأنيلكا غادر ليلاً من مطار لا يعرفه أحد، ووصل لندن فوجد العدسات في انتظاره ولم يقل شيئاً عما جرى بينه وبين المغلوب على أمره دومينيك، ومالودا رحل بمفرده بعيداً عن المجموعة بعد أن رأى في عيون زملائه رغبة في عدم مرافقته لهم في الطائرة المخصصة للعودة إلى باريس، أما هنري فقد استأجر طائرة على حسابه ليكون في الموعد المحدد له في الإليزيه مع ساركوزي، والآخرون ما إن وصلوا مطاراً من الدرجة الثالثة حتى اختفوا عن الأنظار، كأنهم ملح ذاب في الماء، وأعلنت بعض المواقع موت الديكة في انتظار إقامة جنازة تليق بهم، وهم وصيف بطل العالم، الذي خرج من مولد «مونديلا» بلا حمص أو عدس. وفجأة انفرجت سريرة الديكة عندما رأوا أبطال العالم، إيطاليا، يسقطون أمام الوافدين الجدد للمونديال، سلوفاكيا، ليعودوا إلى روما ويطالبون ربما في مقابلة البابا لطلب المغفرة، وقالوا «لسنا وحدنا»، فقد حدث للطليان ما حدث للفرنسيين حين أحرزوا كأس العالم 1998 وخرجوا من الدور الأول، والسيناريو إذ يتكرر مع رفاق دي ناتالي، يعني أن المصيبة إذا عمت خفت، فكلهم ديكة في حال الانتكاسة، وسكاكين الذبح كثيرة. وأما الأفارقة فشأنهم آخر، إذ إن العالم كان ينتظر أن ينجحوا في التنظيم، والذهاب أبعد من الدور نصف النهائي بعد محاولات متكررة مع الكاميرون ونيجيريا والمغرب والسنغال وغانا، لكن الضربة كانت قاصمة، بخروج النسور والأسود والبافانا والمحاربين والفيلة، ولم يبق سوى نجوم غانا يقاومون منتخبات عينها على الكأس وليس المشاركة في الكأس، إنما جعل كل منتخب عزاءه في خروج غيره، والمصيبة إذا عمت جعلت الآخرين يبحثون عن مبررات الخسارة، ويعلقونها على شماعات الفشل. والآسيويون، بقدر تطورهم السريع في المجال التكنولوجي، أرفقوا ذلك بعمل قوي على صعيد تطوير أدائهم في الكرة، وانتقل اليابانيون والكوريون الجنوبيون بإقناع وإمتاع، وليس بضربة حظ، وهو ما يؤكد التفوق الواضح للكرة الصفراء على السمراء، وتراجع البيضاء أمام كرة الألوان اللاتينية. الجزائريون، الذين اجتهدوا في هذا المونديال، على رغم أنهم لم يسجلوا هدفاً واحداً منذ مونديال 1986، وكأنهم دخلوا معارك بدبابات من دون طيران ويريدون انتصارات ساحقة، فكان طبيعياً ألا يسجلوا، لكنهم قاوموا الأميركان والإنكليز وقدموا عروضاً عالية المستوى، صفق لها الجميع، ما جعل الرأي العام الجزائري يقول بإجماع لقد كسبنا منتخباً للمستقبل أمامه مونديالان، سيظهر فيهما بالوجه الأفضل مع مزيد من العمل القاعدي المنهجي المنظم، وذهب بعضهم إلى حد القول الجزائر لم تخسر المونديال بل المونديال هو الذي خسر الجزائر، اعتزازاً بالأداء الطيب الذي قدمه رفاق حليش وبوقرة والمتألق مبولحي. لقد أعجبني مدرب نيوزيلندا في نهاية مشوار فريقه الذي لم يخسر مباراة ولم يربح أيضاً، لكنه نال احترام وتقدير الجميع، لأنه عزّز مشاركاته السابقة بنتائج ترفع من قيمة الفريق، وقال إن أكثر من 85 في المئة من اللاعبين سيكونون في المونديال القادم إن كتب لهم التأهل، وأربع سنوات تعني أن اللحمة ستكون أقوى بين اللاعبين، وحينها سيكون لأبناء هذه الجزيرة كلمة في مونديال البرازيل، والكلام ذاته ينطبق على منتخب الجزائر الذين لم يبق أمامه سوى البحث عن هدافين ولو... الصين. [email protected]