«الإعلام والعولمة والديموقراطيات» كتاب للناقد والصحافي اللبناني يقظان التقي صدر عن دار «رياض الريس للكتب والنشر». والكتاب هو في الأصل رسالة الدكتوراه التي نالها التقي في 2015، تحت عنوان «أثر الإعلام في العلاقات الدولية». وهنا تكمن اهميته في كونه دراسة علمية منهجية، يسعى الى ان يكون شاملاًً وعميقاً في مساره البحثي. ويقظان من النقاد النشطين في الحقل الصحافي يعمل في جريدة «المستقبل» و»إذاعة الشرق»، وله مقالات كثيرة في ميادين الأدب والفن. يرى المؤلف أن «الهيمنة على التقنيات تقود العالم إلى أشكال جديدة من التبعية، ويبدو أن المعركة تكاد تكون حسمت لمصلحة أميركا، حول السيطرة على القطاعات الثلاثة: الثقافة، الكومبيوتر والإنترنت»، وذلك من خلال هيمنة الشركات. «فالشركات التي تسيطر على الإنترنت («ميكروسوفت» الأميركية) تسيطر على الإعلام، على رغم كل الأخطار التي يحملها ذلك على حرية تفكير المواطنين. وهذا يطاول الصحافة المكتوبة التي أصبح يسيطر عليها عدد قليل من الرأسماليين الكبار الذين يشترون الصحف التي تعاني من أزمات اقتصادية أو مصاعب إعلانية، الأمر الذي سبب هبوطاً ملحوظاً في ثقة المواطنين الغربيين بالإعلام». من هنا، «بات رجال الأعمال المهيمنون على قطاع الإعلام والاتصال أسياد العالم الجدد. وليس غريباً والحال هذه أن نلاحظ هذا الانتشار الواسع لأسلوب الحياة ذاته عبر وسائل الإعلام من أوغادوغو إلى أمستردام ومن طوكيو وبكين إلى باريس ووهران. ففي المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية وبرامج المنوعات والأخبار والأغاني والملابس والسيارات والتنظيم المدني والبيئي والهندسة... هناك نموذج واحد يفرض ذاته، آحادية ثقافية لا منازع لها». يتكئ التقي في كتابه إلى تجربة إعلامية منوعة، إذاعية ومقروءة، فضلاً عن حسّ سياسي وتاريخي ساعدته كلها في إغناء أطروحته المعمقة، بعيداً من الخلط بين المنتج الإعلامي (الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون والإنترنت) وبين أدوات التعبير الأكاديمية والصارمة. يبحث الكتاب، الذي يقع في 391 صفحة من القطع الوسط، في المؤثرات التي تمتلكها الميديا للتأثر في الحوادث العالمية والأجندات السياسية الدولية المتضاربة في المصالح والغايات. ومع ذلك، فإنه لا تتوافر آلة قياس لهذا التأثير، في شكل فعّال. ويتناول الكتاب، بالنقد والتحليل، مسألة الدفق الهائل للمعلومات، خصوصاً بعد ولادة شبكة العنكبوت الدولية وانتشارها الأفقي في أصقاع المعمورة. ويشكل هذا الدفق المعلوماتي إرباكاً للمتلقي وتشتيتاً لانتباهه عن قضايا أساسية أو ربما مصيرية، ذلك أن الإعلام يذهب أحياناً إلى سطح الأشياء وليس جوهرها. كما أن المتلقي لا يملك بالضرورة أدوات الوعي والإدراك اللازمة لسبر أغوار المعلومات التي يتلقاها من وسائل الإعلام المختلفة على مدار الساعة. وبالتالي، فإن «القصف المكثف والمركّز» للمعلومات لا يعني مزيداً من التنوع، كما أن الكثافة في الأخبار ليست مرادفاً للحقيقة. يشكل كتاب يقظان التقي مرجعاً للباحثين في شؤون الإعلام وشجونه وقضاياه وخباياه في عصر بات فضاؤه مزدحماً بالميديا على أنواعها وألوانها المختلفة.