«الأكاديمي» كارلوس كيروش، أو «الناجح في المقعد الثاني»، حالتان عاشهما المدرب البرتغالي خلال مهامه السابقة، والتي أبلى إيجاباً في جانب كبير منها. فدخل غمار المونديال رافعاً شعار إثبات جدارته بين «الكبار»، وهو طموح شخصي فضلاً عن تحدي إكمال مسيرة المنتخب أو إبقائها على السكة الصحيحة على الأقل، باعتبار أنه بلغ نصف نهائي النسخة السابقة وحلّ رابعاً تحت عهدة البرازيلي فيليبي سكولاري، الذي قاده أيضاً إلى الوصافة الأوروبية عام 2004. وواجه كيروش (57 سنة) حملة إعلامية كبيرة خلال التصفيات بسبب الأداء المتواضع الذي ظهر به المنتخب البرتغالي واضطراره لخوض الملحق الأوروبي الفاصل ضد البوسنة من أجل أن يحجز مكانه في نهائيات جنوب أفريقيا. ورأت الصحف المحلية أن عيب المنتخب أنه يقدم أداء جيداً مع كيروش، لكنه لا يترّجم أفضليته أمام خصومه إلى أهداف. وقد بدأت هذه الانتقادات منذ الجولة الثانية من التصفيات عندما خسرت البرتغال على أرضها أمام الدنمارك 2-3، وسخرت صحيفة «آبولا» حينها من كيروش، مشيرة إلى أن آخر هزيمة لمنتخب بلادها على أرضه ضمن تصفيات كأس العالم تعود إلى 15 عاماً عندما كان حينها... بقيادة كيروش. كما رفعت الصوت مجدداً بعد التعادل مع ساحل العاج. أشرف كيروش على منتخب بلاده بين 1991 و1993 وفشل في تأهيله إلى مونديال 1994 في الولاياتالمتحدة، إلا أنه نجح هذه المرة في تجنّب الإحراج والإقالة من منصبه بعد أن تجاوز رجاله الصعوبة التي واجهتهم في الجولات الأولى حين حققوا فوزاً وحيداً في أول خمس مباريات، ليحتلوا المركز الثاني في المجموعة الأولى خلف الدنمارك، متقدمين على السويد الثالثة بفارق نقطة واحدة، فخاضوا الملحق وتخطوا البوسنة بهدفين بمجموع المباراتين على رغم غياب قائدهم كريستيانو رونالدو بسبب الإصابة. لم يكن كيروش لاعباً ناجحاً خلال مسيرته الكروية القصيرة جداً فتحول إلى التدريب باكراً مع منتخب بلاده للشباب (دون 20 سنة)، قبل أن يتسلّم المنتخب الأول من 1991 حتى 1993. وانتقل لتدريب سبورتنغ لشبونة من 1994 إلى 1996 ثم سافر إلى الولاياتالمتحدة لتدريب نيويورك- نيوجرزي متروستارز (1996)، ثم إلى اليابان موسم 1996-1997 لتدريب ناغويا غرامبوس أيت. وعرفت ملاعب الخليج العربي كيروش أيضاً، إذ درّب منتخب الإمارات عام 1999 فأخفق، وأقيل في ضوء النتائج الكارثية خلال الدورة الرياضية العربية في الأردن. وانتقل بعدها للإشراف على منتخب جنوب أفريقيا بين 2000 و2002، ثم أصبح مساعداً للسير أليكس فيرغوسون في مانشستر يونايتد خلال موسم 2002-2003. وحصل في الموسم التالي على عرض لم يكن يحلم به على الإطلاق، وهو الإشراف على ريال مدريد الذي ضمّ في صفوفه حينها الفرنسي زين الدين زيدان والإنكليزي ديفيد بيكهام والبرازيليين رونالدو وروبرتو كارلوس، لكن النتائج المخيبة التي حققها أجبرت النادي الملكي على التخلي عن خدماته. فعاد ليجلس إلى جانب فيرغوسون في مقاعد احتياط «الشياطين الحمر» لمدة أربعة أعوام، قبل أن يلبي نداء البرتغال مجدداً عام 2008. ينظر كيروش إلى الأمام، آملاً أن يسهم الفوز العريض على كوريا الشمالية بسبعة أهداف من دون ردّ في «نسف نمطية كبلّت أداء المنتخب أخيراً». وقال: «قدمنا مباراة من الطراز الرفيع، سجلنا فيها أهدافاً كثيرة وتعاملنا مع مجرياتها في شكل جيد. كنا في حاجة إلى تقديم مباراة من هذا النوع، لكن يجب ألا ننسى أننا لم نفز بأي شيء حتى الآن. يتعين علينا حسم أمر التأهل». لطالما ردد كيروش أن منتخب البرتغال يعاني من ثغرات على غرار مطلع تسعينات القرن الماضي، ويلفت إلى أنه عالجها سابقاً قدر الإمكان قبل أن يترك مهامه على رأس الجهاز الفني عام 1993. لكنه يتبع فحوى مثل برتغالي شعبي يقول: «إذا كنت لا تملك كلباً اذهب إلى الصيد مع الهر». والمقصود أنه في خضم المعمعة عليك مواجهة المشكلات ومحاولة معالجتها. ويشير كيروش المولود في موزامبيق والفائز مع منتخب بلاده للشباب ببطولة العالم عامي 1989 و1991، إلى أنه «جهّز» وقتذاك «توليفة» رائعة من العناصر في مختلف المراكز واكتسبت الخبرة والثقة وإن كان بعضها لا يملك الموهبة الكافية، وذلك بفضل خوضها نحو 40 مباراة دولية، «خصوصاً إننا لا نملك القاعدة العريضة الكافية في الفئات العمرية على غرار القوى العظمى كروياً مثل البرازيل». ويكشف كيروش أنه يخوض المونديال ب«سياسة الخطوة خطوة»، ويوظّف النجم كريستيانو رونالدو ليكون في خدمة المجموعة، لا أن تكون المجموعة في خدمته، «وهكذا يكون الخطر دائماً على مرمى الخصم». ويعتبر أن الدور المعوّل على رونالدو أكبر من الذي أداه مارادونا في مونديال عام 1986، حين كانت له اليد الطولى في تتويج منتخب الأرجنتين مرة ثانية. منذ أن دخل كيروش سلك التدريب عام 1982 وبرع في مجال المحاضرات ودورات الإعداد خصوصاً، راوده حلم قيادة منتخب في كأس العالم، و «يعترف» أنه رفض عروضاً مغرية وتمسّك بفرصة قيادة البرتغال إلى المونديال. كما يدرك أن العرفان بالجميل مفقود في عالم كرة القدم، والرصيد المهم بالنسبة له أن يحفظ اللاعبون الذين عمل معهم ما تعلموه منه، وبالتالي فإن أحب الألقاب إلى قلبه «ما هو راسخ في ذهني وليس في سجلي».