صمت وترقب، حزن دفين ووحدة في أحضان عالم مجنون. هذا هو الانطباع الذي يمكن أن تخرج به إثر مشاهدتك أعمال الفنان الإيطالي ماتيو باسيليه الذي يعرض مجموعة من الصور الفوتوغرافية المطبوعة على مساحات ضخمة لنساء واقفات وسط أجواء خيالية أقرب إلى أجواء العصور الوسطى. باسيليه هو أحد عشرة فنانين إيطاليين شاركوا بأعمالهم في معرض أقيم أخيراً في قاعة «أفق واحد» في القاهرة تحت عنوان «بعيون إيطالية» برعاية السفارة الإيطالية، وبالتعاون مع قطاع الفنون التشكيلية المصري. أعمال باسيليه التي تعتمد على الفوتوغرافيا ليست الوحيدة ضمن الأعمال المعروضة التي تعالج فكرة الاغتراب الإنساني، إذ تسيطر الفكرة ذاتها تقريباً على جانب كبير من الأعمال المعروضة بأشكال وأساليب مختلفة بحسب رؤية كل فنان من العارضين. ويستخدم الفنان أدريانو ناردي الفوتوغرافيا هو الآخر ولكن بأسلوب مختلف عن باسيليه. ينتقي ناردي بعض قصاصات من الصحف والمجلات وصوراً مختلفة لإعلانات الشوارع يجمع بينها عنصر واحد، هو المرأة. التي يرى ناردي بحسب مفهومه أنها تحولت إلى مجرد سلعة في وسائل الإعلام. الإثارة والإغواء أصبحا السمة الغالبة للمرأة التي يتم التركيز عليها في أكثر وسائل الإعلام. وهي نظرة دونية تحيلنا إلى وضع المرأة في العصور المظلمة. وتلفت أنظارنا إلى مساوئ المدنية الحديثة وأمراضها التي لا تختلف كثيراً في شكلها ومدلولها عن عصور الهمجية. تتناول أعمال الفنانة ستيفانيا فابريتسي هي الأخرى المعنى الإنساني نفسه ولكن بطريقة أكثر وضوحاً. تعتمد فابريتسي على تكرار الشخوص المرسومة داخل لوحاتها ذات المساحات الكبيرة. هي ترسم بشراً متلاحمين جسدياً. غير أنهم بعيدون من بعضهم بعضاً. غرباء وسط الزحام، تنعكس على ملامحهم آلام البشر وأوجاعهم. أما لوحات الفنان جوناثان جوايتماكي فهي تقدم لنا في ما يشبه المتاهة مجموعة من المدن يمكن وصفها بأنها مستقبلية وقديمة في آن معاً. تتخلل اللوحات صوراً ومشاهد من وسائل الإعلام وأفلام الخيال العلمي، ما يفتح أمام المشاهد منظراً مربكاً لمدينة لا نهاية لها. تلتهم الطبيعة بكل قسوة وتحولها إلى متاهة عملاقة من الخرسانة والمعادن والبلور. معرض «بعيون إيطالية» هو بداية لمعارض وفعاليات ثقافية عدة تهدف إلى تقديم الثقافة الإيطالية إلى شعوب ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويرى منظموها أن الثقافة هي الأقدر على مد جسور التفاهم بين الشعوب. كما أن الثقافة الإيطالية كما يقول مارتا بويري ليست بجديدة على شعوب المنطقة العربية. ويؤكد المنظمون أيضاً حرصهم الشديد على أن يكون المعرض ممثلاً جيداً للأساليب والاتجاهات الفنية في إيطاليا، حتى يتسنى للجمهور التعرف عن قرب على هذه الاتجاهات والأساليب المختلفة التي تشكل معالم المشهد التشكيلي الإيطالي في الوقت الحاضر. وتأتي أهمية المعرض من كونه يلقي الضوء على بعض نماذج من الاتجاهات السائدة اليوم في واحدة من أكثر الدول تأثيراً في تاريخ الفن بداية من عصر النهضة، الذي لمعت فيه أسماء إيطالية شهيرة أمثال مايكل أنجلو ودوناتيلو ورافييل وغيرهم، إلى إسهامات الفنانين الإيطاليين المؤثرة بقوة في مسار الفن الحديث بداية من مطلع القرن العشرين وحتى يومنا هذا.