في إعلان تلفزيوني بارز للحذاء الرياضي نايكي، يستعيد مخرج فيلم «بابل»، ألييانردو غونزاليس انياريتو، مراحل مباراة كرة قدم. ويجمع المخرج في إعلانه نجوم الكرة من أمثال روني ورينالدو وميسي وريبيري. ويفتتحها ديدييه دروغبا الإعلان في ملعب مليء بالمتفرجين، ويتخلص من المدافعين بيسر وكأنهم ذباب. ويسلط مصابيح الإضاءة على دروغبا، وعلى شاطئ العاج المتألق، وشريط «كابتن» الفريق. وكان جوزيه مورينيو يوماً مدرب دروغبا، صرح يوماً: «إذا خيّرت في لاعب أخوض به الحرب لاخترت دروغبا». ويبدو دروغبا في الملعب قوة لا تُرد، ولاعباً تنفخ فيه عزيمته وسرعته وهالة المحارب التي تجلله. وهو حال انتصاره على خصومه، في الإعلان التلفزيوني، وبينما تمضي الكرة على اندفاعها، ينتقل الشريط الى افريقيا حيث يرقص الجمهور في الشارع، وعلى سطوح البيوت. والجمهور يعظم دروغبا، وينزله منزلة ولي، وينسب إليه رعاية تماسك بلده الذي تمزقه حرب أهلية. وعدت «تايم» الأميركية دروغبا اخيراً في المئة شخصية الأقوى نفوذاً في العالم، جنباً الى جنب مع طائفة من حائزي جائزة نوبل وكبار مديري الشركات وقادة الدول. فاللاعب العاجي اسطورة وليس لاعب كرة قدم وحسب. ويرى زائر أبيدجان في زحمة السير حافلات تمجد شعاراتها لاعب الكرة: «ديدييه العظيم»، «شكراً ديدييه». ويسمع أينما راح ان دروغبا أسكت السلاح في بلده، وأنه يبني مستشفى على وشك الافتتاح. وتلخص لفظة «الدروغباوية»، القيم التي يمثل عليها: التواضع والكرم والتسامح. ويذهب جويل دروغبا، أخو اللاعب، الى ان «مكانة ديدييه تعلو مكانة رئيسنا، فمصدر ما يملك معروف». ومراحل رحلة دروغبا بدأت في سافينيي – سور – أورج بفرنسا، حيث نشأ وترعرع في كنف أخيه جويل. ورعاه عمه في باريس. وكان يتردد الى نيابراهيو، في شاطئ العاج، حيث منبت العشيرة. ولوران غباغبو، الرئيس العاجي، ينتمي الى قوم (إثنية) بيثيه، شأن دروغبا. وهو صار رئيساً، في العالم 2000، من طريق انتخابات لم تسلم من التشكيك، ولابستها حملات تنديد بالأجانب. وانقسم العاجيون على حقوق أولاد المهاجرين المقيمين في شاطئ العاج ومساواتها بحقوق المولودين من عاجيين. وفي بواكيه، معقل المتمردين على غباغبو والجيش، قتل المتمردون اسرة ابن عم ألبير دروغبا، والد ديدييه دروغبا. وفي الأثناء سطع بأوروبا نجم ديدييه دروغبا وأرتور بوكا وديدييه زوكورا والإخوة يايا وكولوتوريه. وفي تشرين الأول 2005، تأهل هؤلاء الى نهائيات كأس العالم في الزي العاجي. ولم يميز الفريق العاجي المولود من أبوين عاجيين من ابن المهاجرين، ولا البيتيه من الباوليه أو الديولا، ولا مسلم الشمال من مسيحي الجنوب. والمباراة الحاسمة في سبيل التأهيل أجريت بالخرطوم. وانتصر فريق شاطئ العاج ب3 أهداف الى هدف واحد. ولكن شرط التأهل هو خسارة الكامرون امام مصر، وقصور الكامروني بيارهومي، في الدقيقة 95 من المباراة، عن إصابة ضربة الجزاء المرمى المصري، وإصابتها عارضة المرمى الخشبية. وأطل دروغبا على الشاشة الصغيرة وخاطب مواطنيه: «العاجيات والعاجيون أيقنوا اليوم ان سكان شاطئ العاج متآلفون، وأن بمستطاعهم اللعب معاً في سبيل هدف واحد. ونطلب منكم، جاثين على ركبنا، ألا تتركوا بلداً يملك هذه الثروة كلها الى الغرق في الحرب». وخاطب اللاعب العاجيين جاثياً على ركبتيه، وحوله توريه، من الشمال، وبوكا، من الجنوب، وباري، المولود لأهل غينيين. * معلق، عن «داي زايت» الألمانية، 15/6/2010، إعداد وضاح شرارة.