«نأمل من رجال الهيئة أن يكونوا عقلاء متأنين، ويتسموا بسعة الأفق والتحمل، قادرين على العمل في كل الظروف، متحلين بالهدوء والرفق واللين، متمنياً أن يكون في بلدنا هيئة ذات سمعة طيبة في التعامل الأمثل مع شرائح المجتمع والحوار المثمر مع وسائل الإعلام». كان هذا هو حديث الأمير نايف بن عبدالعزيز لأعضاء كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالجامعة الإسلامية، وهو حديث من رجل عهد عنه أنه يزن كل حرف يقوله بميزان من ذهب، ولا يوجد في قاموسه اللغوي حرف زائد أو مكرر، تزامن هذا التصريح مع قصة رواها لي من أثق به، إذ حدثني عن أن أحد فرق الأمر بالمعروف داهمت منزلاً مشتبهاً به عن طريق القفز من السور الخارجي، وأشبعت المتهمين ضرباً وركلاً ولم يتوقف مسلسل الضرب والإهانات إلا بعد أن تسلمتهم الشرطة رسمياً! دعونا نفترض ان أعضاء الهيئة حصلوا على تصريح رسمي بمداهمة المنزل، فهل من حقهم أو حق أي أحد - كائناً من كان - أن يقتحم خصوصية منزل محصن بهذا الشكل؟ ثم بأي حق يعتدي أفراد الهيئة بالإيذاء الجسدي والمعنوي على مواطن مهما كانت مخالفته؟ وما زالت المجالس تتحدث عما حدث لامرأة في نجران عندما تم ترويعها هي وأطفالها من مجموعة من أعضاء الهيئة في وقت متأخر من الليل، واتضح أنهم كانوا على خطأ. الوقائع المنشورة والتقارير التي تنشرها الصحف والمشاهدات العينية تقول إن بعض أفراد الهيئة الميدانيين يغلب على تعاملهم الصلف والتهجم اللفظي والاعتداء الجسدي، وكنت شاهداً على أكثر من حادثة في أكثر من مدينة تؤكد مثل هذا السلوك. يحدثني شاهد على قصة أخرى اعتذرت فيها الشرطة عن اقتحام أحد المنازل بعد أن اتصل بهم صاحب المنزل طالباً اعتقال ابنه «المدمن»، الذي كان وجوده في المنزل يشكل خطراً على من بداخله، وقال العسكري: «إن اقتحام المنزل ليس بالأمر اليسير، فللمنزل حرمته، ولذا لا يتم اقتحام أي منزل إلا بعد إجراءات معقدة...»، وهنا مفارقة تستحق التوقف، فالشرطة رفضت اقتحام المنزل مع أن صاحبه هو من طلب منهم ذلك، فيما تقتحم الهيئة أحياناً أي منزل لمجرد الشك، هذا إذا افترضنا حصولهم على الإذن، إذ تشير بعض الروايات إلى أنهم قد يقومون بعملية الاقتحام قبل الحصول عليه. إننا عندما ننتقد الهيئة فذلك نابع من منطلق حرصنا على تطوير أدائها ليتواءم مع ما تتطلبه المرحلة، ولا أعتقد بأن هناك من يكره الهيئة كما يعتقد بعض إخواننا المتحمسين داخل جهازها وخارجه، وقد قلت ذلك لأخي الدكتور عبدالمحسن القفاري في رسالة خاصة رداً على رسالة لطيفة كان قد بعثها لي بعد أن نشرت مقالاً سابقاً عن الهيئة. وأخيراً: لو كنت مكان الرئيس العام للهيئة الأخ عبدالعزيز الحمين لفرضت على كل منسوبيها - وبالذات الميدانيين - حفظ واستيعاب ما قاله الأمير نايف، فهو حديث صادر من رجل دولة كبير، عهد عنه انه لا يقول الكثير ولا يتحدث إلا عند الضرورة القصوى، وأهم من كل ذلك أنه يؤكد دائماً حرصه على هذا الجهاز وتقديره لما يقوم به. [email protected]