بعد رحلة عطاء استمرت أكثر من خمسة عقود، رحل الممثل عبدالعزيز الحماد عن عالمنا قبل أيام في الولاياتالمتحدة، مؤثراً أن تلعب الجغرافيا دور البطولة في رحيله، مثلما كانت محفزاً له في بداياته، راسمة لوحة مكملة لمسيرته، واضعة مقدمتها ودوراً مؤثراً في نهايتها. عبدالعزيز الحماد الذي تلمّس الآخر بريشته، وعيونه، ونقل مشاعره قبل 50 عاماً، في لوحات تشكيلية انطلق بها مبتدئاً من المنطقة الشرقية، الملتحفة بهدوء طبيعتها آنذاك، وغير المتفهمة للوحاته وقتها، لم تدرك أنها برفضها المعلن لحضور ما سمّاه معرضه الأول، ستكشف عن فنان من أثرى الفنانين السعوديين تميزاً وموهبة. الرياض قلب المملكة، وقلب الحماد الذي ظل معلقاً بها حتى وفاته، كانت هي مسرحه الحقيقي ومعرضه الكبير، اذ احتضنته وقدمته بتشكيلاتها ومكنوناتها الثقافية الوليدة، لمشاهد ومتلق عطش لتلمس الثقافة السعودية الحقيقية، دونما لي لأدواتها، أو تصنعاً لفهم عمقها. بدأ الحماد انطلاقته في الدراما السعودية، كواحد من أهم عناصرها الوليدة، بصحبة رفيق دربه الفنان محمد الطويان، واللذان التقيا معاً على قلب فنان واحد، وقدما معاً أولى مسرحياتهما عن الآخر المتمثل في الغرب بشكل كوميدي ساخر. وظل الحماد هائماً في أعماله المسرحية عاشقاً لها، حتى التقى المخرج الراحل سعد الفريح، فاتفقا على أن يتحول من المسرح إلى التلفزيون، ليقوم ببطولة أول أعماله الدرامية بعنوان «الوجه الآخر»، أعقبته أعمال أخرى حظيت بنسبة مشاهدة عالية وقتها، وحولته من مجرد عاشق للفن وهاو له، إلى محترف ومؤمن بأن رسالته الاجتماعية ذات قيمة ومضمون مفعم بالرقي والثقافة. قدم الحماد بعد «الوجه الآخر» أعمالاً كثيرة منها «عمارة العجائب» و«المزيّفون»، و«غداً تشرق الشمس» و«خلك معي» و«الوهم» و«شؤون عائلية» و«أساطير شعبية» لكنه ظل مسكوناً بحبه للفن التشكيلي، الذي دفعه للسفر إلى الولاياتالمتحدة لدراسته، ليكون بذلك من أوائل الفنانين السعوديين الذي يتناولون هذا الفن بشكل ممنهج ومنظم، ليعود بعدها إلى الرياض متلمساً لحراكها الفني الكبير، الذي أنتج جيلاً جديداً، كناصر القصبي وعبدالله السدحان، اللذين شاركهما تفاحة موهبتهما «طاش» كاتباً وممثلاً، ثم اختتم حضوره على الساحة ب «أبجد هوّز» شاركه البطولة فيه الفنان عبدالرحمن الخطيب وعرضه التلفزيون السعودي في رمضان الماضي.