لم يشهد حادث اعتداء شرطيين على شخص في السابق الزخم ذاته الذي أحدثه مقتل الشاب خالد سعيد في محافظة الاسكندرية الساحلية (نحو 240 كلم شمال القاهرة) «تحت وطأة التعذيب»، بحسب ما يقول معارضون ومدافعون عن حقوق الإنسان. وعلى رغم تكرار حالات الوفاة المزعومة على يد رجال الأمن في السنوات الأخيرة، إلا أن دخول شبكة الإنترنت على الخط أضفى هذه المرة مفعولاً سحرياً في تأجيج الغضب الشعبي تجاه الممارسات التي تُنسب إلى الشرطة المصرية. وكان لافتاً مشاركة أعداد كبيرة من غير منتمين إلى تيّارات سياسية في تظاهرات منددة بمقتل سعيد الذي يوصف بأنه «شهيد الطوارئ» وأضحى رمزاً لقوى المعارضة المصرية في غضون أسابيع. واستغل معارضون مصريون الحادث لتكرار الحديث عن ضرورة إنهاء حال الطوارئ المعمول بها في البلاد منذ اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات على يد متشددين إسلاميين العام 1981، علماً أن الحكومة المصرية مددت قانون الطوارئ منتصف الشهر الماضي لعامين جديدين لكنها قالت إنها ستقصر استخدامه على جرائم الإرهاب والمخدرات. وأظهر الحادث الأخير غضباً دفيناً داخل نفوس المصريين لجهة المعاملة القاسية التي يجدها بعضهم على يد جهاز الشرطة. ولم تجد الأجهزة الأمنية أي تعاطف أو مساندة تذكر بعد البيان الذي أصدرته في وقت سابق وأرجعت فيه سبب وفاة سعيد إلى التهامه لفافة من مخدّر «البانجو»، وهو بيان وصفه مراقبون بأنه يدل على زيادة الهوة بين المواطنين وبين التصريحات الحكومية التي لم يعد يثق بها - خطأ أو صواباً - كثيرون من المصريين. واستمرت في غضون ذلك أزمة مقتل سعيد في التفاعل. وأعلن معارضون تنظيم تظاهرة اليوم الأحد في ميدان التحرير (وسط القاهرة) يشارك فيها أعضاء في «الجمعية الوطنية للتغيير» التي يقودها الدكتور محمد البرادعي وحركة «كفاية» و «شباب 6 أبريل» وحزب «العمل». وأكد ل «الحياة» رئيس نادي قضاة الإسكندرية السابق المستشار محمود الخضيري أن «المعارضة مستمرة في تفاعلها مع القضية سواء من خلال تظاهرات سياسية أو دعاوى قضائية تختصم وزير الداخلية باعتباره على رأس جهاز الشرطة». واعتبر الخضيري، وهو عضو في الجمعية الوطنية للتغيير، أن توقف المعارضة المصرية عن تحركها سينهي المسألة إلى غير جدوى مثلما حدث في مرات سابقة. وصعّدت جماعة «الإخوان المسلمين» أيضاً من تحركاتها التي تهدف إلى جمع توقيعات لمحاكمة مدير أمن محافظة الإسكندرية وعزله من مهمات منصبه باعتباره المسؤول الأول عن وقوع الحادث، في حين دخل المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي على خط الأزمة. وأفيد أن البرادعي سيقوم بزيارة إلى الإسكندرية حُدد لها يوم الجمعة المقبل حيث يُتوقع أن يلتقي عائلة «شهيد الطوارئ». ولم تقف الإدانات والاحتجاجات عند حدود التظاهرات والحملات التي انطلقت على مواقع الإنترنت عموماً و «الفيس بوك» خصوصاً للمطالبة بالقصاص من الجناة، وإنما وصلت إلى تقديم مغنية مصرية شابة تدعى سلمى الصباحي أغنية حملت عنوان «ليه» إهداء لروح «شهيد الطوارئ»، وهي أغنية حققت رواجاً كبيراً على موقع ال «فيس بوك» الشهير. وكان البرادعي استنكر في شدة مقتل سعيد (28 عاماً) على أيدي شرطيين من قسم شرطة سيدي جابر في الإسكندرية. وقال البرادعي على صفحته في موقع «تويتر» إن «حالة القهر تزداد في مصر»، مطالباً ب «إنزال العقاب على المسؤولين عن الحادث» الذين وصفهم ب «المجرمين»، مشدداً على أن عقاب المجرمين فوراً «أمر حتمي». لكن البرادعي ألقى مسؤولية ما حدث لسعيد على المصريين قائلاً: «مقتل خالد مسؤولية كل مصري». وأكدت جماعة «الإخوان» أنها مستمرة في تفاعلها المناهض لما اعتبرته «تزايد أعمال العنف من جانب الشرطة في حق المواطنين التي كان آخرها قتل خالد سعيد في الشارع». وأشارت إلى أنها ستتعاون مع قوى المعارضة في حملة لجمع التوقيعات كانت أطلقتها قبل أيام بهدف تقديم مدير أمن الاسكندرية إلى المحاكمة. ودافع الناطق باسم الحملة عضو الكتلة البرلمانية ل «الإخوان» النائب صابر أبو الفتوح عن اجتماع القوى السياسية في مصر خلف قضية مقتل خالد سعيد قائلاً إن «هذه القضية إحدى حلقات الفساد والاستبداد والديكتاتورية التي تفشّت وتحكّمت في مصر بشكل عام». وقال في مؤتمر صحافي عُقد أمس في الاسكندرية: «القضية هي قضية الشعب المصري كله». وأضاف: «نحن نحاكم الآن نظاماً بأكمله استطاع أن يجعل الفساد والاستبداد يستشري في كل مناحي مصر». كذلك أكد رئيس المكتب الإداري لجماعة «الإخوان» في الإسكندرية نائب كتلتها في البرلمان النائب حسين إبراهيم أن الجماعة ستواصل تحركاتها بمشاركة قوى المعارضة في مسعى للقصاص من الجناة وإنفاذ القانون. لكنه قال في الوقت ذاته إن القضية لا تقف على مقتل خالد سعيد تحت وطأة التعذيب وإنما تصل أبعادها إلى وجود آلاف الشرطيين الذين تربّوا في ظل قانون الطوارئ وأصبح لديهم ثقافة «أنهم فوق القانون». وقال ل «الحياة» إن نواب «الإخوان» كانوا قد تقدّموا قبل نحو عام بمشروع قانون ل «تغليظ عقوبة التعذيب» في القانون المصرين لكن لم يتم الالتفات إلى هذا المشروع. ورأى مدير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حافظ أبو سعدة أن ما تشهده الساحة المصرية يُعد «نجاحاً» للحقوقيين المدافعين عن حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن تلك التحركات الشعبية «أبطلت محاولات وزارة الداخلية في نفي وقوع جريمة تعذيب والقول إن الحادث وقع بسبب ابتلاع سعيد لفافة مخدر». وأشار إلى محاولات تجري لدفع نواب مجلس الشعب إلى تبني مشروع قانون «يهدف إلى تغليظ عقوبة التعذيب، إضافة إلى توسيع نطاق المحاسبة على تلك الجريمة إلى المشاركين والمتواطئين فيها وليس فقط مرتكبوها». وأوضح أن القانون المصري «لا يعاقب مرتكب جرائم التعذيب، اذ إنه يقصر وقوع تلك الجريمة في حالات انتزاع اعترافات فقط. لذا فهو يعطي ضمانات إلى رجال الشرطة بعدم المعاقبة والحساب إذا وقعت جريمة التعذيب في حالات لا يكون الهدف منها انتزاع اعتراف مثلما حدث في واقعة سعيد». وأضاف: «لو ثبت وقوع التعذيب في حق سعيد سيعاقب مرتكبوها بجريمة إساءة المعاملة، وهي الجريمة التي لا تتعدى عقوبتها السنوات الثلاث ... لذا فنحن نرغب في تعديل المادة 126 من قانون العقوبات المصري وتضمينه تعريفاً شاملاً لجريمة التعذيب مع تغليظ العقوبة». على صعيد آخر، ألقت الأزمة الدائرة بين القضاة والمحامين في مصر بظلالها على محاكمة متهمين متشددين نُسب إليهم اعتناق فكر التكفير واستهداف الأقباط والسياح الأجانب في القضية التي عُرفت إعلامياً ب «خلية الزيتون». فما أن بدأت أمس محكمة جنايات أمن الدولة العليا «طوارئ» التي يحاكم المتهمون أمامها، الجلسة حتى قرر أعضاء هيئة الدفاع رفض إبداء دفاعهم ومرافعاتهم أو حتى إثبات أي طلبات لهم امتثالاً لقرار نقابة المحامين بالإضراب عن العمل أمام محاكم الجنايات تضامناً مع المحاميين الإثنين اللذين صدر في حقهما حكم بالسجن مدة 5 سنوات إثر إدانتهما بالاعتداء بالضرب والسب على مدير نيابة في مدينة طنطا (دلتا النيل). ولم تستغرق الجلسة سوى 5 دقائق فقط، طالب خلالها المحامون رئيس المحكمة بالتأجيل كونهم يعلنون إضرابهم تضامناً مع زميليهما المحبوسين. وسعى رئيس المحكمة المستشار صفوت الحسيني إلى أن يثني دفاع المتهمين عن قرار تعليقهم العمل والاكتفاء بسماع شهود الإثبات ضد المتهمين، غير أن الدفاع رفض بصورة قاطعة الشروع في أي من إجراءات المحاكمة، فما كان من المحكمة إلا أن قررت التأجيل لجلسة الغد (الإثنين). ويبلغ عدد المتهمين في القضية 25 متهماً بينهم فلسطينيان اثنان اتهمتهم جهات التحقيق القضائية باعتناق فكر «التكفير والجهاد المسلح»، و «استحلال أموال ودماء الأقباط»، والسطو على محل لبيع المشغولات الذهبية والمجوهرات في منطقة الزيتون في القاهرة وقتل مالكه وجميع العاملين به وجميعهم من الأقباط.