عندما ننظر إلى شيء ما نرى صورة واحدة يشارك في إنجازها عدد من المناطق تقع كلها في الرأس، بدءاً بقرنية العين التي يعبر منها الضوء، مروراً بعدسة العين التي تركز الضوء على الشبكية، والعصب البصري الذي يترجم الضوء إلى رسالة، وانتهاء بمركز الرؤية في الدماغ الذي يتسلم الرسالة من العصب ويعالجها لتحويلها إلى صورة واقعية. وبالطبع لا يجب أن ننسى هنا دور عضلات العين في عملية إخراج تلك الصورة. لكن لسبب ما قد يشاهد الشخص بدلاً من الصورة الواحدة صورتين للجسم نفسه الذي تراه العين، ويطلق على هذه الحالة اسم الرؤية المزدوجة (الزغللة في العامية) التي يمكن أن تحدث في عين واحدة أو في الاثنتين معاً. وتحصل الرؤية المزدوجة لوحدها من دون أي عارض آخر يرافقها، أو أنها قد تشاهد برفقة بعض العوارض، مثل الصداع، والغثيان، والألم عند تحريك مقلة العين، والحَوَل، وتدلي الجفن، وضعف القدرة على تحريك العين وغيرها. وكشفت دراسة كندية حديثة أشرفت عليها الباحثة سوزان ليث من كلية البصريات وعلوم الرؤية بجامعة واترلو، وشملت أكثر من 500 شخص فوق سن الستين، عن وجود علاقة وطيدة بين مشكلة الرؤية المزدوجة وعامل السن، إذ إنها تزداد مع تقدم الشخص في العمر، من هنا تنصح الباحثة المصابين بالرؤية المزدوجة بضرورة فحص النظر في شكل منتظم واستعمال النظارات المناسبة لتصحيح عيوب الانكسار. ولا يسلم الأطفال من شر الرؤية المزدوجة، خصوصاً الذين يعانون من الحَوَل المبكر، لكن غالبية هؤلاء لا تشكو منه لأن المخ يتجاهل هذا الأمر ويعمل على إلغاء الصورة الثانية المسؤولة عن الرؤية المزدوجة، وهذا بحد ذاته يشكل خطراً عليهم لأنه يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بكسل العين. وهناك مسببات مختلفة للرؤية المزدوجة، بعضها بسيط وبعضها الآخر معقد، منها ما يقع في مقلة العين، ومنها ما يقع خارجها. وتعد اضطرابات القرنية من المسببات الشائعة للرؤية المزدوجة التي تشاهد في عين واحدة، وتضم هذه الاضطرابات التهابات القرنية وجفافها وجروحها وندوبها وانحراف البصر (الأستيغمات). وفي الأستيغمات، تفقد القرنية شكلها المستدير الطبيعي فلا تستطيع الأشعة الضوئية السقوط في المكان نفسه ما يؤدي إلى الرؤية المزدوجة التي تعد من المؤشرات القوية إلى الإصابة بالأستيغمات، ويتضح هذا الخلل (أي الرؤية المزدوجة) بوضوح عندما يوجه الشخص نظره إلى الأجسام القريبة أو البعيدة. وهناك مشاكل تصيب عدسة العين أو الشبكية قد تكون مسؤولة عن الرؤية المزدوجة، مثل مرض الماء الأزرق(ارتفاع الضغط في العين)، وداء اللطاخة الصفراء الاستحالي. ويمكن للرؤية المزدوجة أن تحدث نتيجة إصابة عضلة أو أكثر من عضلات العين، ومن أبرز الأمراض التي تقف خلف ذلك: - داء «غريفيز»، وهو مرض مناعي ذاتي يؤدي إلى نقص في كفاءة نقل الإشارات العصبية إلى العضلات فلا تستطيع هذه التحرك في شكل سليم فتحصل الرؤية المزدوجة التي تكون من بين العلامات الأولى للمرض، إلى جانب تدلي الجفن. - الوهن العضلي الوخيم، ويحدث بسبب تلف المستقبلات الكيماوية الموجودة على العضلات والتي تعد ضرورية لتقلص العضلات واسترخائها في شكل سليم. - متلازمة «غيلان باريه»، وتؤدي إلى ضعف تدريجي في العضلات التي تتحكم بحركة العين. - مرض التصلب اللويحي المتعدد، وهو يقوم على تدمير الأعصاب التي تتحكم بعضلات العين ما يتسبب في نشوء الرؤية المزدوجة. - الداء السكري السيئ التحكم، وهو عادة يصيب الأعصاب في عين واحدة. - إصابات الرأس الرضية وكسور الجمجمة ومحجر العين. - أورام وانتفاخات الأوعية الدموية الدماغية التي تضغط على الأعصاب المخية التي تشرف على حركة العين. - السكتات الدماغية، والتهابات الدماغ وأورامه، والصداع النصفي. - إصابة الأطفال بالأنفلونزا الحادة. ويتم تشخيص الرؤية المزدوجة، بناء على المعطيات التي يجمعها الطبيب المختص من فحص العين الشامل وفحص الدم والفحص بالأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي. ماذا عن العلاج؟ إن الرؤية المزدوجة هي اضطراب مزعج جداً في الحياة اليومية، خصوصاً أثناء القراءة، وقيادة السيارة، وإنجاز الأشغال التي تتطلب الدقة وغيرها، لهذا يتوجب علاجها. ويتم العلاج بالسيطرة على الأسباب المعروفة عن الرؤية المزدوجة. أما في الحالات الأخرى، فإن الطبيب يصف بعض الأدوية التي تساعد على التعايش معها، وقد يحتاج الأمر إلى وضع غطاء على العين أو استعمال نوع من النظارات بهدف التخفيف من أثرها المزعج. تبقى الاشارة إلى أن الرؤية المزدوجة قد تظهر بسبب الضغوط النفسية والمهنية، وفي هذه الحال تشاهد مجموعة من العوارض، مثل التعب، والإرهاق، والصداع، وعدم القدرة على التركيز وغيرها. كما تم تسجيل الرؤية المزدوجة عند بعض اللاعبين المدمنين على «البلاي ستايشين». ويقال أن هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية، أصيبت بالرؤية بالمزدوجة إثر تعرضها لوعكة صحية، وقد تم الاستدلال على ذلك من تكبير صورة لها أظهرت أن نظاراتها السميكة تحتوي على خطوط عمودية تعمل على تصحيح الصورة وإعادتها إلى حالها الطبيعية من دون ازدواجية في الرأي، عفواً في الرؤية.