... لكنها هذه المرّة طوّقت الملاعب، وانفرد كل منها لبرهة بأعين المشاهدين. هكذا تقاسم وقت المشاهدة لقرابة 40 بليون شخص (ما يفوق عدد سكان الكرة الأرضية ب 6.5 ضعف) يقدر أنهم يشاهدون «مونديال 2010» في جنوب أفريقيا على الشاشات الفضية. إنها... «أديداس» و «كوكا كولا» و «فلاي إيمراتس» و «هيونداي- كيا» و «سوني» و «فيزا» (الشركات التي تعتبرها فيفا شريكة في تنظيم المونديال)، إضافة الى «بادوايزر» و «كونتينانتال» و «كاسترول» و «ماكدونالدز» و «أم تي أن» و «ماهيندرا ستايام» و «سييرا» و «ينغلي سولار» التي توصف بأنها الشركات الراعية للكأس الكروي. ويمكن قراءة هذه الاسماء بطريقة اخرى، فتظهر انها تشمل الملابس الرياضية والمشروبات الغازية والسياحة الجوية والسيارات والأدوات الالكترونية وبطاقات الائتمان والبيرة والفنادق وزيوت السيارات والوجبات السريعة والتلفزيون والاتصالات والطاقة الشمسية! أي سوق هائلة تدلقها الكرة على الشاشات والأعين، بل أي رهانات ضخمة تعقدها الشركات العملاقة ورساميلها على الحدث الرياضي؟ يصعب إغفال الأموال في كرة القدم المعاصرة. يكفي التأمل في الأرقام المليونية المُدوّخة للاعبين، إضافة الى أموال المراهنات الهائلة وأسهم الأندية والاعلانات المباشرة والمتلفزة والالكترونية وغيرها. ألا يثير ذلك أسئلة عن العلاقة بين هذين النوعين من الأموال: أسعار اللاعبين وتوظيفات الشركات ورهاناتها الهائلة، خصوصاً في زمن الأزمة الاقتصادية الضارية التي تطوّق اقتصادات الدول جميعها؟ ربما يعتزّ كثيرون من العرب بظهور إعلان عن خطوط الإمارات، مطوّقاً لملعب «موسيس مابهيدا» في جوهانسبرغ. وقد يذكر ذلك بالأموال الكثيرة التي بذلها العرب في الكرة العالمية، مثل شراء النوادي والملاعب والأسهم وغيرها. وقد باتت تلك الأموال جزءاً من سطوة المال المستولية على اللعبة. يكفي القول انه يصعب العثور على لاعبين مرتفعي الثمن غير موجودين في هذه المسابقة. ويجدر التفكير أيضاً بأن النوادي الكبرى، خصوصاً الأوروبية، التي تحوّل كثير منها الى أسهم في البورصات، ممثلة بكثافة في هذه الكأس. من الناحية المالية، من المستطاع القول ان كأس العالم يمثل الأندية المتورطة في لعبة أموال كرة القدم، بما يفوق تمثيل الأوطان في منتخباتها! وربما ليس عبثاً ان استقل المونديال بنشيده الخاص، عن الأناشيد الوطنية للدول التي بات بعض الجمهور يتقن السُخرية منها. ويزيد في دلالة هذا الأمر ان «نشيد المونديال» اعتُمد منذ المسابقة الأولى للقرن 21 (اليابان- كوريا 2002)، وأنه صُنع بأيد الشركات، تحديداً شركة «سوني» الشهيرة، وأنه أُطلق ببطاقة انترنت. والأرجح ان الأكثر جدّة في المشهديات البصرية للمونديال، يتمثّل في أمرين. فللمرة الأولى، صُنِعَت لعبة فيديو إلكترونية لترافق المونديال، على غرار ما حصل في أولمبياد بيجين 2008. وتمثّلت الظاهرة الثانية في الاتفاقية بين «غوغل» و «فيفا» على صنع قناة إعلامية للمونديال على موقعي الطرفين (وتظهر فيها إعلانات الشركات الراعية للمسابقة)، ما يجعلها مصدراً آخر للأموال التي أطبقت على الرياضة الأكثر شعبية، منذ وقت طويل، وربما أبكر مما يتخيّله كثيرون!