منذ ما قبل قرار مجلس الأمن فرض العقوبات على إيران، لم تستبعد الدول الغربية من خياراتها لمرحلة ما بعد العقوبات، إمكان استئناف الحوار مع طهران. فمراهنة الدول الكبرى استندت الى خيار تجنب الحرب ضد إيران، أو ضد ما يسمى بأذرعها الإقليمية، في لبنان وفلسطين خصوصاً، لعل العقوبات تقود الجانب الإيراني الى تليين موقفه في التفاوض مع المجتمع الدولي على الملف النووي وعلى النفوذ الإقليمي، بدلاً من شن حروب جديدة ستزيد من تعقيد الوضع في المنطقة. وإذا كان لاستئناف الحوار الغربي – الإيراني بعد فرض العقوبات وبسببه، قنوات لا تحصى، بدءاً من فريقي المبادرة التركية – البرازيلية التي أنتجت الاتفاق على تبادل اليورانيوم العالي التخصيب في تركيا، مروراً بالوكالة الدولية للطاقة الذرية أو من طريق تجديد لقاءات مجموعة 5+1 مع المسؤولين الإيرانيين، وصولاً الى إمكان حصول لقاءات ثنائية أميركية – إيرانية كانت مطروحة قبل العقوبات لكن طهران رفضتها، فإن مرحلة ما بعد العقوبات ستكون أيضاً اختباراً لإمكان تطوير الحوار الذي بدأ بين الدول الغربية، لا سيما الولاياتالمتحدة، وبين سورية، انطلاقاً من المراهنة الغربية على دفع دمشق نحو أخذ مسافة عن طهران، في المواجهة الدائرة بينها وبين المجتمع الدولي. وإذا كانت هذه المراهنة خاضعة للاختبار في المرحلة المقبلة فلأن الدول الغربية تأمل من الانخراط مع سورية بأن تكون نتائج الحوار معها عاملاً ضاغطاً على إيران يساهم في دفعها الى التنازلات. لقد تعثر «الانخراط» مع سورية في الأشهر القليلة الماضية بسبب الانطباع بأن دمشق ملتزمة موجبات تحالفها مع طهران ولن تساوم على هذه الموجبات مقابل تحسن علاقاتها مع الغرب، لا سيما مع إدارة الرئيس باراك أوباما. وبرز هذا التعثر والالتزام بعد القمة الثلاثية التي جمعت الرئيس بشار الأسد مع الرئيس محمود أحمدي نجاد والأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في دمشق في 27 شباط (فبراير) الماضي، والتي أعقبها اتهام سورية بتزويد «حزب الله» صواريخ سكود، استناداً الى «معلومات جدية كافية لإثارة القلق مصدرها ليس الجانب الإسرائيلي»، كما يقول الأميركيون... فتأخّر إرسال السفير الأميركي الجديد الى دمشق وكذلك الإزالة التدريجية للعقوبات التجارية عليها، بعد أن كان الأمران يقتربان من الإنجاز العملي. وأعادت واشنطن صوغ أجندة الانخراط مع سورية فبات العراق في مرتبة متأخرة منها لمصلحة حرص واشنطن على ألا تحارب دمشق العقوبات على إيران وألا تمارس ضغطاً على لبنان كي يصوت في مجلس الأمن ضدها، وعلى أن تمتنع عن عرقلة جهود واشنطن لاستئناف مفاوضات السلام على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي عبر مهمة جورج ميتشل، وأن تدعم سياسة الاستقرار في لبنان وتتجنب ممارسة الأسلوب القديم في التعاطي مع أوضاعه الداخلية والتدخل فيها، وتعزز الإجراءات التي تضبط الحدود معه... وإذا كانت دمشق تركت للجانب اللبناني أن يجد مخرجاً للامتناع عن التصويت على العقوبات بدلاً من رغبة حلفائها وحلفاء إيران في التصويت ضدها، فإن الجانب السوري يكون قد وفى بإحدى نقاط أجندة الانخراط الأميركي معه، فيما تبقى النقطتان الأخريان خاضعتين لأخذ وردّ. فتسهيل إحياء المفاوضات على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي مهما حصل من جانب سورية، يواجه عرقلة من الجانب الإسرائيلي، هذا فضلاً عن أن أسئلة كثيرة تُطرح حول مدى قدرة دمشق على دعم المصالحة الفلسطينية في هذا السياق، من دون أن تبدي طهران حماسة لذلك. أما اختبار السياسة السورية في لبنان ان في ما يخص ضبط الحدود أو في ما يتعلق بمعالجة الوجود الفلسطيني المسلح خارج المخيمات وغيرها من العناوين، فإنها ستكون موضوع اختبار في الأشهر المقبلة، في ظل رفض سوري للقيام بخطوات في الإطار الثنائي، تحت الضغط الخارجي. لكن في مقابل كل ذلك ما الذي ستقدمه واشنطنلدمشق بينما إسرائيل ترفض استئناف التفاوض معها حول الجولان؟