استضافة جنوب أفريقيا كأس العالم هي رمز انبعاث القارة الأفريقية التي تدخل القرن الواحد والعشرين رافعة لواء ثورة اقتصادية. وعلى رغم استمرار النزاعات في بعض انحاء افريقيا، أُرسي السلام في عدد من دول افريقيا مثل انغولا والموزامبيق ورواندا وسيراليون، إثر عقود من النزاعات المدمرة. وأسهم تنظيم انتخابات حرّة تجيز مشاركة أطراف مختلفة في تذليل أزمات سياسية، على ما حصل في كينيا. وأفريقيا تخرج من دوامة الانكماش والكساد الاقتصاديين والفقر. وفي العقد الماضي، بلغت نسبة النمو فيها 5,3 في المئة سنوياً. والنسبة هذه لم تتجاوز 1,5 في المئة، في الدول المتقدمة، و1 في المئة في أوروبا. وفاق ناتج القارة عتبة الألف بليون دولار. ونموذج النمو الافريقي صمد في وجه صدمات الازمة العالمية، ولم يصب بانكماش شأن نظيره الاوروبي أو الاميركي. والنمو الاقتصادي هو أنجع وسيلة لمكافحة البؤس والفقر. وتراجع الفقر المدقع من 42 في المئة من السكان الى 31 في المئة. والنمو بأفريقيا هو ثمرة انفتاح النموذج الاقتصادي الافريقي على العولمة وانخراطه في سيرورتها والتخلي عن السياسات الحمائية. فثمانية «أسود» افريقية، هي جنوب افريقيا والجزائر وبوستوانا ومصر وجزر موريس وليبيا والمغرب وتونس، سلكت سكة العولمة، وولجت عالمها. وفاق معدل الناتج الفردي فيها نظيره في دول ال «بريك» (برازيل وروسيا والهند والصين)، وبلغ 10 آلاف دولار. ولم تقصر افريقيا علاقاتها التجارية على الأقطاب التقليدية بأميركا وأوروبا. والتبادل التجاري الجنوبي – الجنوبي (بين افريقيا وبقية دول الجنوب) مزدهر. وبلغ حجمه (التبادل) مع الصين 100 بليون دولار سنوياً، وفاق حجم التبادل مع فرنسا، منذ 2008 الى اليوم. والتبادل التجاري مع الهند بلغ 40 بليون دولار، و7 بليون دولار مع البرازيل. ولم تعد الحكومات محرك النمو الاقتصادي. وارتفاع عائدات الانتاج 2,8 في المئة سنوياً وثيق الصلة بالخروج من الاقتصاد الريعي وبروز طبقة من المقاولين ورأسمالية افريقية لا يستخف بثقلها قوامها نحو 522 شركة. وتترافق هذه التغيرات مع ارتفاع معدلات الاستهلاك. فعلى سبيل المثال، يبلغ عدد الهواتف الخليوية 400 مليون جهاز بأفريقيا. وتبدو أفريقيا وكأنها حدود العالم الناشئ الجديدة. وعهدها بالنمو والاستقرار هش. فالحروب الاهلية تنهش الكونغو وجمهورية افريقيا الوسطى والسودان. وسيف الدول الضعيفة والفاسدة مسلط على الديموقراطية الطرية العود. وليست دول أفريقيا سواسية في التطور الاقتصادي. فهوة الفرق شاسعة بين بلد وآخر. وعلى سبيل المثال، يبلغ الناتج الفردي 330 دولاراً، في الكونغو، و15 ألف دولار، في بوستوانا. وتستقطب جنوب أفريقيا 60 في المئة من رسملة البورصة. ويتهدد النمو تآكل البنى التحتية، وتداعي النظام التعليمي والصحي، وهجرة أصحاب الكفاءات. ولكن كفة المعوقات ليست راجحة. ومن المتوقع أن يرتفع عدد سكان افريقيا من 860 مليون نسمة الى 1.8 بليون، في 2050، وأن يرتفع عدد سكان المدن. ويبلغ عدد مدن افريقيا التي يقطنها مليون نسمة 40 مدينة. وعددها يزداد. وتحاكي المدن الافريقية المتسعة نموذج المدن الممتدة على طول 1500 كلم من السواحل التي تفصل دوالا في الكاميرون عن ابيدجان، في ساحل العاج. والقارة غنية بالمواد الاولية ومصادر الطاقة الشمسية، وهي تملك 30 في المئة من الطاقة المائية الكهربائية أو الكهرمائية العالمية. وتقع 80 في المئة من التربة الصالحة للزراعة في افريقيا. والحق أن افريقيا هي أرض الفرص الاوروبية. فأوروبا توشك على الانزلاق الى هامش التاريخ جراء شيخوخة مجتمعاتها، وارتفاع معدلات المديونية العامة، وانخفاض القدرة التنافسية. وحريّ بأوروبا وفرنسا انتهاج سياسة جديدة ازاء افريقيا التي تغيرت ملامحها، وحمل المؤسسات الدولية على الإقرار بمكانة القارة الافريقية وثقلها، وتعزيز بنى الاندماج الاقليمي التي تسهم في استفادة افريقيا من الخبرات الاوروبية، ومطالبة افريقيا بالتزام معايير الحوكمة العادلة. والدول الاوروبية مدعوة الى قصر المساعدات العامة على اعمار البنى التحتية واصلاح القطاع الصحي والتعليمي، وتبادل الخبرات، واعداد النخب، وإبرام شراكات استراتيجية، ورعاية الاستثمارات المتبادلة ونقل التكنولوجيا. * مؤرخ واقتصادي، «لوبوان» الفرنسية، 10/6/2010، اعداد منال نحاس.