«22 في المئة من الأطفال في المملكة يتعرضون للتحرش الجنسي»، عبارة مقزِّزة ومعناها مخيف، ولكن الأرقام أقوى من الاستنكار أو الإنكار، ولتسأل في ذلك جمعية حقوق الإنسان السعودية، وليسأل مجتمعنا المحافظ عن التحرش الجنسي اللفظي أو المعنوي وإن غابت وسائله المادية (ملموسة ومسموعة)، أو الجسدي الذي قد يصل إلى زنا المحارم، نعم، إلى هذا الحد، ومع أن الخالق عرّف بالمحارم، إلا أننا نتحدث عن مخلوقات لا تعنيها النواميس السماوية ولا الأخلاق الإنسانية، وحوش بشرية نراها ونكلمها ولا يساورنا الشك في قِناعها وسلوكها إذا أغلّقت الأبواب عليها، وكم من فتيان وفتيات اغتيلت أرواحهم واستبيحت أجسادهم واغتصبت براءتهم بسبب وباء عاشوا في كنفه أو اتصل بهم لقرابته منهم. لم يكن نكاح الأنساب والأصهار الأقربين محرماً في التاريخ القديم، واليهودي منه تحديداً، فحرّم لاحقاً لحكمة إلهية، علمنا منها ما ينتج عنه من نسل معوق، فيه تثبيت لما تحمل الجينات من صفات وراثية مضطربة، حتى انه لا يوصى بزواج الأقارب الأباعد كي لا ينتقل ما يخشى منه بالوراثة، فكيف يحدث زنا المحارم؟ هل هو بمخالطة الصبيان للبنات في النوم إلى ما قبل مرحلة البلوغ وأحياناً أثناءها، جهلاً أو فقراً وقلة حيلة في إيجاد متسع يفصل بين الجنسين! أو هو البعد عن المدنية والتحضّر والوعي الديني والأخلاقي لكائنات سكنت القرى النائية وتسلقت الأماكن المهجورة، فتكاثرت وتناسلت وتعاملت مع شهواتها بانفلات وتعوّد! أو هو انحراف يحدث بين السفلة من الناس والعلية منهم على حد سواء! أو هو أمر مَرَضي يخص المتحرِّش ولا دخل للطبقة الاجتماعية أو مكانها وظروفها به! أو يكون الابتزاز والخوف من الافتضاح، أو استغلال الضعف والحياء! أو إنه الأمن من العقاب! والسؤال: هل يعد المتحرِّش مريضاً حقاً؟ قيل إنه يعاني من تدهور عضوي بالمخ بفعل شيخوخة مبكرة نتيجة تصلب في الشرايين، يصاحبه مردود نفسي يتدنى معه الحس الأخلاقي للمصاب فيتخفف من الضوابط والنواهي والزواجر، وتختلط لديه معاني الحلال والحرام، حتى لو بدى بمظهر اجتماعي مقبول، إلا أنه واقعياً مخلوق يميل إلى العزلة والانطواء، (لا تستبعد العدوانية)، لا يثق بمن حوله، وتركيبته شبيهة ببناء انفصامي للشخصية ليس مستغرباً أبداً أن تعاني من تخلف عقلي، وهو تحليل «سيكوباتي» يشترك فيه النساء والرجال معاً، وللأمانة موضوع الشيخوخة بالذات غير مقنع تماماً، فهل كل من شاخ مخه مارس الانحراف السلوكي! على العموم جاءت نسبة الزنا بالمحارم ما بين 2،4 في المئة إلى 6،3 في المئة من الجرائم الجنسية عالمياً، وإن كانت الهزائم الإنسانية تشهد بأعلى من ذلك الرقم، حتى أن 15 في المئة من بنات إصلاحيات الأحداث هن ضحايا لزنا المحارم، يتم الإبلاغ عنه إما بواسطة طرف ثالث على صلة بحياة المتحرّش بها، أو عن طريق الضحية نفسها، أو بمحض الصدفة البحتة بلا تدخل من أحد. إنها الخطيئة ولا ينجو من تعرض لها إلاّ من رحم ربي، وإن يظل من الصعب عليه التخلص من تشوّهه النفسي والفكري، فمشاعر الذنب القوية التي تحملها الضحية عن نفسها، وأحاسيسها المتضاربة تجاه العملية الجنسية تستحدث داخلها نفوراً شديداً نحو الجنس الآخر، قد ينمو ويتطور إلى أفعال انتقامية تقضي على الضحية وجلادها، إن كان الحقيقي أو المتخيل. من يأمن العقاب يشعر بالاستقواء و«البلطجة» في استمرارية تحقيق شذوذه، وكم سمعنا بزنا المحارم، ولكننا لم نسمع بالمعالجة، دع عنك «إجراءات الاقتصاص»، التي ما لم تكن واضحة وعلى الملأ فلن يرتدع من حاله بهذا الحضيض الحيواني، ولن يرتدع غيره، فمن أبسط حقوق الضحية على مجتمعها انتصاره لألمها ضد من نهشها، ألم تبن الكرامة على الدفاع عنها؟ [email protected]