لم يكن زاهي وهبي يعلم أن الحلقة الأولى من أصل حلقتين مسجلتين مع ادونيس ضمن برنامج «خليك بالبيت» ستتزامن، بالضبط، مع مباراة بين ألمانيا وأستراليا في بطولة كأس العالم بكرة القدم. ومع أن جمهور الشعر يختلف عن جمهور الكرة، فمن يهتم بهذه يجهل تلك والعكس صحيح، لكن المسألة مع مونديال جنوب أفريقيا لم تعد مجرد مباريات يتابعها عشاقها وانتهى الأمر، بل جرى ضبط إيقاع الحياة في العالم وفق أصوات الطبول الإفريقية، وكل شيء أصبح واقعاً تحت سطوة «الساحرة المستديرة»؛ الصفة التي فعلت فعلها بإتقان. الأرجح أن قلائل شاهدوا أدونيس وهو يطل على شاشة «المستقبل» ببدلة غامقة وشعر أشيب مع قميص أحمر لم يفت وهبي أن يسأله عنه، فردّ الشاعر بأن الأحمر يرمز إلى «القوة والحب والمغامرة»، وذلك في سياق سؤال حول عدم استسلام ادونيس وإصراره على خوض المعارك الأدبية على رغم تقدمه في السن. ولو لم أكن أعلم أن الحوار هذا جاء تعقيباً على ما دار في حديث طويل لأدونيس مع «الحياة» أجراه عبده وازن، لاعتقدت أن ما أراه هو مادة من أرشيف «المستقبل»، لا سيما ان وهبي أجرى بالفعل حواراً مع ادونيس في برنامجه، فضلاً عن أن أدونيس ذاته بات يكرر ما يقوله من دون جديد، وهو نفسه أعرب عن استغرابه من أن يثير حواره ل «الحياة» كل هذا الجدل والصخب، إذ أكد لوهبي «لم اقل شيئاً جديداً»! كل ذلك لا يقلل من أهمية الحلقة، سواء تعلق الأمر بوهبي الذي وإن بدا خجولاً؛ مهذباً إزاء ضيف مثل أدونيس لكنه لا يتردد في توظيف أسلوبه الناعم في طرح أسئلة جريئة. هي إذاً «قوة ناعمة» يملكها وهبي كي يحاجج ضيفه في آرائه حول شعراء معروفين، وكيف قلل من قيمة شاعر كبير كمحمود درويش، وأسئلة حول علاقته الزوجية، وعلاقته بابنته نينار، بل ويظهر وهبي تناقض الشاعر الكبير مع نفسه في حديثه ل «الحياة»، في أكثر من موقع. أدونيس بدوره لا يقل دهاء عن محاوِره، فهو يستطيع «التملص» حين يشاء، ويستطيع التأويل، بل يستطيع تقديم إجابة لا علاقة لها بالسؤال، ودائماً يتهم الآخر، الذي يعارضه ويصطاد هفواته، بأنه «لا يقرأ». تلك حجته الدائمة في الدفاع نفسه. لكن يظل أدونيس شاعراً وناقداً لا يمكن التغاضي عما يقوله بلسانه العربي الفصيح، وبمفرداته المنتقاة بعناية، ولعل وهبي يدرك مكانة ضيفه، فآثر أن يسجل حلقتين مع الضيف نفسه، وهو ما لم يحدث سابقاً في برنامجه المعروف «خليك بالبيت»، في حدود علمنا.