بداية، هذا الخبر أكثر أهمية مما يوحي به العنوان، مع فتح باب أمل، بأقل الكلمات مباشرة وتفاؤلاً: توصّل علماء الى صنع أجسام مضادة (يصنعها جهاز المناعة لحماية الجسم)، باستطاعتها دخول الدورة الدموية والتأقلم مع الدم. هذا يعني أن العلماء توصّلوا الى "صنع" أجسام مناعة تستطيع حماية الجسم من الأمراض التي يعجز جهاز مناعته عن حمايته منها. فعلى سبيل المثال، إذا أصيب مريض ببكتيريا فائقة القوة تعجز عنها الأدوية المضادة للحيوية (أنتي بيوتيك)، صار ممكناً إعطائه أجسام مناعة لتقاوم البكتيريا. وربما ألغت هذه الأجسام المضادة الحاجة الى ال"أنتي بيوتيك" وحلّت محلها. وتنطبق هذه الحال على الاصابة بالفيروسات كافة، ما يفتح المجال أمام حلّ لاستعصاء حيّر الطب طويلاً. معلوم ان الفيروسات عصية على العلاج بالأدوية راهناً. ومع إنتاج أجسام مضادة، تصبح الفيروسات في متناول يد الطب. واستطراداً، ينفتح المجال أمام علاج مجموعة هائلة من الأمراض التي تسببها الفيروسات بداية من الأنفلونزا ومروراً بالتهاب الكبد الوبائي وانفلونزا الطيور ووباء الخنازير، ووصولاً ربما الى الايدز أيضاً! هل يعني ذلك تليّف الكبد أصبح قابلاً للعلاج؟ ماذا عن السرطان؟ يحاول الجسم مقاومة السرطان، ويصنع أجساماً مضادة للقضاء عليه، لكنها تفشل في مهمتها. هل تستطيع الأجسام المضادة الإصطناعية، ان تدعم مقاومة الجسم الى حدّ التغلّب على السرطان؟ ربما ما زال الوقت مبكراً للإجابة على تلك الأسئلة، ولكنها تعطي فكرة عن المدى الذي تصله مسألة التوصّل لصنع أجسام مضادة إصطناعية. واللافت ان هذا الإنجاز الطبي الهائل لم يأت من عالم الطب، ولا من علوم البيولوجيا المتنوّعة. ببساطة، جاء هذا الإنجاز المُدهش من عِلم الكيمياء. فبحسب موقع "بورتال. إيه سي أس. أورغ" portal.acs.org ، الناطق بلسان "الجمعية الأميركية للكيمياء"، توصّل فريق علمي من جامعتين في أميركا واليابان، من صنع أجسام مضادة لا يزيد على كسر من مائة وخمسين ألف من شعرة رأس الإنسان! واستعمل الفريق أساليب النانوتكنولوجيا (عِلم يتعامل مع المادة على مستوى النانو متر الذي يساوي كسر من المليون من الملليمتر)، ليصنع تلك الأجسام من مادة البلاستيك، التي تأتي أساساً من البترول! وفي تجربة أولى، صنع العلماء أجسام مضادة تقاوم سم الأفاعي. ثم حقنوا فئراناً بالسم الزعاف. وبعدها، ضخوا في أجسامها الأجسام المضادة الإصطناعية. ونجت الفئران. ونجحت التجربة. وبديهي القول ان هذا الانجاز ما زال في خطواته الأولى. ويحتاج الأمر الى تجربته على البشر، وكذلك التثبت من فعاليته في مواجهة الأمراض. وبانتظار ذلك، لنعقد الأصابع. ولنبق على الأمل.