شدد الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى خلال زيارته «التاريخية» غزة أمس، على ضرورة كسر الحصار الإسرائيلي على القطاع، كما ناقش مع رئيس الحكومة المُقالة القيادي في حركة «حماس» إسماعيل هنية خلال لقائهما، «أفكاراً عملية» لم تكشف طبيعتها، لتحقيق المصالحة الفلسطينية. ووصل موسى إلى غزة عبر معبر رفح البري صباح أمس، وعقد فور وصوله مؤتمراً صحافياً في المعبر، أكد خلاله وجوب رفع الحصار. وقال إن «المصالحة مسألة أساسية، وهي إرادة وليست مجرد توقيع، ولا بد من أن تترجم بالاتفاق على مختلف الأمور التفصيلية، ولن يقف التاريخ عند كلمة هنا أو أخرى هناك، بل عند الإرادة. إرادة الوحدة الفلسطينية في مواجهة قضية خطيرة معقدة تتصل بمستقبل شعب فلسطين ومصيره وحقه في حياة حرة وكريمة». وأضاف أن «الحصار يجب أن يكسر وأن يرفع، وقرار الجامعة العربية واضح تماماً في كسر الحصار وفي المطالبة برفعه وعدم التعامل معه». ورأى أن «شعب فلسطين يستحق أن يوقف إلى جانبه، ليس فقط العرب... والعالم كله الآن يقف مع شعب فلسطين ضد حصار غزة وضد ما يحدث في الأراضي المحتلة وعلى رأسها القدسالشرقية... وأقف هنا لأحيي الشعب الفلسطيني، ولأراه واقفاً وقفة واحدة رافضاً أن يكون لعبة بيد أي طرف من الأطراف». وأضاف: «انه أمر يسعدني، كما يسعد كل عربي، أن نرى الجميع سوياً بهدف واحد، نراهم كإخوة ونحييهم كإخوة في مجموعهم». ولفت إلى أنه جاء ليلتقى «كل التيارات الفلسطينية ولأشاهد كل ما يجري على أرض غزة الصامدة». وكان في استقبال موسى في المعبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» الدكتور زكريا الأغا والوزير في الحكومة المُقالة باسم نعيم، ووكيل وزارة الخارجية في الحكومة المُقالة الدكتور أحمد يوسف، والقيادي في «حماس» غازي حمد، وعدد من الشخصيات الفصائلية والمستقلة. وانتقل موسى إلى حي الزيتون جنوب مدينة غزة، والتقى عدداً من أفراد عائلتي السموني والداية، اللتين فقدتا العشرات من أبنائهما أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة، واطلع على آثار الدمار نتيجة هذه الحرب. وقال: «جئنا إلى هنا لنحيي أخواننا الصامدين، عائلة السموني وعائلة الداية رمز الكفاح ورمز النضال والشهادة، حضرنا لتحيتكم، وأنا أتعاطف تماماً بصفتي الشخصية وبصفتي الرسمية مع ما حدث». وأضاف أن «الخطأ هو في الاحتلال ذاته وفي استهداف المدنيين، وفي عدم الاهتمام بمصير الناس، نحن جئنا لنتضامن ولنستمع ولنشاهد ثم لنشارك في الإعمار وهو قادم قادم لأننا سنكسر الحصار الذي لا يجب أن يُحترم ولا يجب التعاون معه والتسامح معه ونحن نرى هذه الظروف الصعبة التي يعيش فيها أهلنا في قطاع غزة». وأوضح أن «الدول العربية جاهزة، ووضعت وخصصت أموالاً موجودة في البنوك لعملية الإعمار التي تتطلب رفع الحصار الذي أصبح مسألة يهتم بها العالم كله، ولا يمكن استمرار الوضع في غزة على ما هو عليه... نحن نعمل وباسم الدول العربية جميعاً، وأتحدث إليكم لا واعداً، لكن ملتزماً بأن عملية الإعمار وتخصيص الأموال لها بطول قطاع غزة وعرضه جاهزة، ونحن ننتظر، لكننا نعمل في الوقت نفسه على رفع الحصار وعلى كسره، وهو الخطوة المقبلة لأن الأموال تم بالفعل إيداعها في البنوك العربية والإسلامية لإعادة الإعمار». واستقبل أهالي الشهداء والأسرى موسى بحفاوة بالغة في المناطق المدمرة في حي الزيتون وعزبة عبدربه. واصطف مئات الغزيين على امتداد شارع صلاح الدين الرابط بين جنوب القطاع وشماله وهم يلوحون بأيديهم تحية له. وقال موسى إنه «متشوق للسير على أرض غزة ولقاء كل من هو فلسطيني وتحيته على صموده أمام الحصار الخانق». واعتبر أن «وقفة الفلسطينيين جنباً إلى جنب في استقبالي شيء يسعدني ويسعد كل العرب المتعطشين لرؤية الفلسطينيين أخوة». وجال موسى بعد ذلك في عزبة عبدربه المدمرة خلال الحرب، شرق مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع، واستمع الى شكاوى الأهالي، ثم انتقل إلى مدرسة الفاخورة في مخيم جباليا للاجئين التي شهدت قصفاً بالفوسفور الأبيض ومجزرة راح ضحيتها نحو 40 فلسطينياً كانوا لجأوا إليها هرباً من جحيم الغارات الاسرائيلية، كما اطلع على الدمار الذي لحق بالمدرسة الأميركية الدولية جنوب غربي بلدة بيت لاهيا شمال القطاع، قبل أن يتوجه للقاء هنية. وقال هنية إنه تبادل مع موسى «أفكاراً عملية» في ملف المصالحة الفلسطينية، من دون الافصاح عن طبيعة هذه الأفكار، واصفاً زيارة موسى بأنها «تاريخية». وأوضح أنهما ناقشا عدداً من «الملفات المهمة، وفي مقدمها ملف الحصار والموقف العربي منه»، معتبراً الزيارة «خطوة عملية على طريق كسر الحصار» عن القطاع الذي تفرضه إسرائيل منذ سنوات. وعقد هنية وموسى اجتماعاً، حضره وفدان من الطرفين، دام نحو 30 دقيقة، قبل أن يعقدا اجتماعاً منفرداً استغرق نحو 15 دقيقة فقط. وانفض الاجتماع في منزل هنية في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة من دون أن يعقدا مؤتمراً صحافياً. وخرج موسى من الاجتماع مسرعاً، لكن تحت إلحاح الصحافيين، ألقى وهنية كلمتين مقتضبتين أمام عشرات الكاميرات وممثلي وسائل الإعلام والصحافيين الفلسطينيين والمصريين. وجدد هنية طلبه تطبيق قرار الجامعة العربية بالعمل على كسر الحصار. وقال إنه سمع «كلاماً إيجابياً» من موسى في هذا الصدد، شاكراً له زيارته، فيما شكر موسى «حسن الضيافة والاستقبال». وقال إنه ناقش مع هنية «الواقع الفلسطيني والعلاقة بين الفصائل ومستقبل العمل الفلسطيني الموحد». وحضر اللقاء نائب رئيس الحكومة المُقالة وزير الاقتصاد زياد الظاظا والمستشار السياسي لهنية الدكتور يوسف رزقة ووزراء العدل محمد فرج الغول، والداخلية فتحي حماد، والشباب والرياضة باسم نعيم، والناطق باسم الحكومة طاهر النونو، ورئيس المكتب الاعلامي الحكومي حسن أبو حشيش. ومن وفد الجامعة، حضر الأمين العام المساعد محمد صبيح ومدير مكتب موسى السفير هشام يوسف. وعقب اللقاء اصطحب هنية موسى والوفد المرافق له في جولة قصيرة في أزقة مخيم الشاطئ الضيقة وشاهد عن كثب منازل اللاجئين الرثة الصغيرة سيئة الإضاءة والتهوية. وزار موسى بعدها مستشفى الشفاء في مدينة غزة. وقال هشام يوسف ل «الحياة» إن زيارة موسى «ليست منفصلة عن الرأي العام العربي والعالمي الذي يرى أنه يجب وقف الحصار». واعتبر أنه «يجب استغلال الزيارة في ملف المصالحة، خصوصاً إننا بصدد لقاء جميع الفصائل الفلسطينية والاستماع إلى الجميع». ورأى أن «هذا الانقسام أدى إلى خسائر ضخمة تسببت في تآكل التأييد العالمي للقضية الفلسطينية»، داعياً جميع الأطراف إلى «الكف عن أخذ صغائر الأمور والاهتمام بمصلحة الشعب الفلسطيني وما يعود بالفائدة على مصير قضيته». وبعد استراحة قصيرة، في أعقاب لقاء هنية، عقد موسى اجتماعاً مع ممثلي القوى والفصائل الفلسطينية، وممثلين عن مؤسسات وهيئات المجتمع المدني. وقال المستشار السياسي لهنية الدكتور يوسف رزقة إنه «من المفترض أن تكون هذه الزيارة خطوة لرفع حصار غزة، لأن الحصار يمكن أن يُرفع بقرار عربي». وطالب «بتنفيذ قرار الجامعة العربية المتعلق برفع الحصار، وإدخال جميع المساعدات المالية التي أقرتها القمة العربية لإعمار غزة». وطالب ب «إسناد الموقف التركي في تشكيل لجنة تحقيق دولية لمحاكمة المعتدين والمجرمين». وأشار إلى تركيز الأمين العام على «حض الفصائل على الاستجابة للورقة المصرية للمصالحة، وإيجاد مخارج لحال الجمود التي نحياها». إلى ذلك، أعربت فصائل فلسطينية ومؤسسات أهلية عن أملها في أن تكون زيارة موسى بداية حقيقية لإنهاء الحصار. وأملت «الجبهة الشعبية» في أن تُكلل زيارة موسى بالنجاح لجهة فك الحصار وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة. وقال عضو اللجنة المركزية للجبهة جميل مزهر إن «هناك قراراً للجامعة العربية بإنهاء الحصار، وبالتالي فإن القرار في حاجة إلى خطوات عملية وتنفيذ مباشر، والعرب لديهم الكثير من أوراق الضغط». ورأت «الجبهة الديموقراطية» أن «الزيارة تشكل خطوة مهمة نحو كسر الحصار عن القطاع وتحريك الجهود لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة». واعتبرت أن «الزيارة تؤسس لتحرك عربي ودولي واسع لإنهاء الحصار والضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف نشاطاتها الاستيطانية». وقالت «شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية» التي التقى مسؤولوها موسى إن «الزيارة تحمل الكثير من المضامين المهمة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمها تعزيز البعد العربي في دعم صموده في مواجهة الحصار والعدوان». واعتبرت أن الزيارة «تعكس إصراراً على التمسك بالحقوق الفلسطينية والعربية على طريق ضمان حقوق شعبنا بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وضمان حق عودة اللاجئين وفق القرار الأممي الرقم 194».