يحدث كثيراً، في برامج تلفزيونية تتحدث عن السينما الشابة، ذات الأفلام القصيرة أو الوثائقية، أو في شكل أخصّ، ذات الأفلام الفقيرة التي يحققها أصحابها من دون أن يعرفوا سلفاً أين ستعرض ومن سيكون جمهورها، يحدث أن يدهش مقدم البرنامج، صاحب السؤال حول هذا الأمر، حين يسمع الجواب كبديهة كانت غائبة عنه: ان المكان الوحيد - بعد المهرجانات - الذي سيؤول اليه مصير هذه الأفلام هو التلفزة نفسها، والجمهور «الوحيد» الذي يمكن أن يشاهد هذه الأفلام، هو جمهور التلفزة. هنا، أمام هذا الجواب، يبدو الأمر لطارح السؤال أشبه بما حدث للمسيو جوردان، قريب موليير النبيل، حين نمي اليه وقد أراد أن يتعلم ما هو الفرق بين الشعر والنثر، ان هذا الأخير هو ما يتحدث به هو شخصياً في كل لحظة من لحظات يومه. من هنا تطرح بالنسبة الى المهتمين بشؤون الشاشتين هذه المسألة في شكل متواصل: مسألة اللقاء بينهما... وتحديداً انطلاقاً من تجارب تبدت دائماً ناجحة، تطاول عرض الإنتاج السينمائي الذي يصعب عليه أن يجد أماكن عرض له وجمهوراً، خارج المهرجانات، في الصالات، بخاصة أن هذه الأخيرة كان يمكنها لو أرادت أن تخلق نمطاً مفيداً وصالحاً للعلاقة مع الأفلام القصيرة - والتي غالباً ما تكون ذات صبغة فنية وإنسانية - يقوم، هذا النمط، على عرض فيلم قصير قبل عرض فيلم طويل... ولا سيما حين يكون هذا الفيلم الطويل ذا مستوى رفيع من الأداء الفني، وبالتالي يقصده جمهور أكثر اهتماماً بالفن من جمهور الأفلام التجارية العادية. ولكن بما ان هذا لا يحصل، ولن يحصل طالما ان الأمور على النحو الذي هي عليه. لا يبقى أمام عشرات المبدعين الشبان المؤمنين بفن السينما والمنتجين لهذا الفن، سوى المكان الوحيد الممكن: التلفزيون. والحقيقة ان المتفرج الذي كان شاهد - على سبيل المثال - جملة أفلام الإسرائيلي المنشق آفي مغربي، مرات ومرات على شاشة «أخبار المستقبل»، قد يكون محقاً ان هو وقف ذات لحظة ليتساءل: لماذا يحق لآفي مغربي، ما لا يحق لسينمائيين لا يقلّون عنه موهبة وإنصافاً سياسياً وإنسانياً؟ ترى لو أن هذه الشاشة، وغيرها من الشاشات، أدركت البعد الحضاري والفني لعملية ايصال عشرات، بل مئات الأفلام، التي ينتجها شبان عرب، وسط شروط صعبة وبفضل مجازفات مهلكة، لكان من شأنها أن «تمرر» فيلماً أو فيلمين في يوم واحد أو أسبوع واحد، تكسبها في النهاية صدقية واحتراماً، ويكون في ذلك دعم ومساندة لأجيال طالعة من سينمائيين مبدعين جديين... ولكان من شأنها ان تكف عن طرح السؤال في برامجها الحوارية السينمائية عن أين ستعرض هذه الأفلام... فالوردة هنا، كما يقول التعبير الإنكليزي، وهنا نرقص!