تذكر الأحسائيون قبل أيام قليلة 25 عاماً مضت، حين كان المطر يهطل بغزارة ومن دون توقف، وخصوصاً مع اختفاء الغبار الذي كان يمثل الضيف الثقيل الذي يزور الأجواء بعد فصل الشتاء مباشرة، إذ بات سمة تلاحق الشهور الصيفية، وتحيل الأجواء إلى اختناق طويل، بيد أن شتاء هذا العام انتهى لكن المطر لم ينتهي ليرسم صوراً من ذكريات ربع قرن في سكك وحواري وشوارع الأحساء، التي غرقت بالمطر على غير العادة. ورددت أرض الأحساء وخصوصاً مزارعها ونخيلها أنشودة المطر مطولاً، وتذكر سكانها الطقوس التي كانت تضيق بالمكان في مثل هذه الأجواء، يقول عيسى النفيلي (في العقد السادس): «كنا ونحن صغار نملأ الدنيا فرحاً مع سقوط المطر، فلا نهرب منه بل نقف في الساحات وفي وسط أسطح المنازل، نتلقف بوجوهنا حبات المطر بسعادة لا يمكن أن توصف». وإن «من أبرز الطقوس التي يمارسها الصغار في تلك الأيام، هي نشر أواني المطبخ في الأسطح أو في الشوارع حتى تمتلئ بماء المطر الذي كنا نعتقد أنه دواء من الأمراض، وهو ماء بركة ورحمة»، مضيفاً: «كنا على فطرتنا وبساطتنا نحسب المطر مصدر من مصادر السعادة». ويقول عبدالله الراجح (في منتصف العقد الرابع): «حين أشاهد زخات المطر تتبادر إلى ذهني الأهازيج الشعبية القديمة التي كنا نغنيها ونحن صغار، مثل: طق يا مطر طق.. بيتنا جديد ومرزامنا حديد، وغيرها من الأهازيج الشعبية التي تعلمناها من أجدادنا وآبائنا»، مضيفاً: «كنا نتسابق إلى المطبخ نبحث عن الخيش القماشي الذي كان يوضع فيه الأرز، لنحوله إلى رداء نضعه على رؤوسنا ليقينا البلل، فتجدنا وكأننا من سكان المغرب العربي، إذ نشابه أزياءهم». ويتذكر «عادت لي صور كثيرة خلال الأيام الماطرة الماضية، ومن تلك الصور مشهد جدران الطين وهي تحاول البقاء أمام سيل المطر الجارف، وكيف أننا كنا نخوض المياه الممزوجة بذلك الطين، وكيف أنه يستقر في أرجلنا، وننام به من دون أن نغسله»، مؤكداً أن «المطر كان عنوان للسعادة وإلى الآن لا أعرف سر فرحنا به، ربما لأننا كنا نعاني من الصيف وحرارته، ومن الشتاء وقسوة برودته، أو ربما لأسباب أخرى نجهلها». وأوضح المزارع جاسم علي أن «هذه الأجواء الماطرة التي أنعم الله بها علينا، سيكون لها أثراً جيداً على النخيل، إذ إننا نعرف أن الرطب (البلح)، يزداد قوة ونضجاً واكتمالاً مع غزارة الأمطار، وتعرف هذه الأجواء سابقاً بزخات الخير، لأنها تكرم الأرض فتكرمنا بثمار كثيرة». وقال: «منذ زمن لا أتذكر مدته لم نشهد مثل هذه الأمطار، وحقيقة لم أصدق ما يقوله خبراء الأرصاد من استمرار الأمطار لأننا اعتدنا على الغبار في السنوات الماضية، لكن مطر الخير لم يتوقف وصدق المناخيون»، مضيفاً: «لم يكن مطراً فقط بل برد بحجم كبير وهذه هي المفاجأة الكبرى، فالأجواء كانت حارة جداً والمطر يسقط والبرق لم يتوقف والرعد لم يصمت ومع هذا كله هناك بَرَد وبكميات كثيرة، فعلاً هذا أمر غريب!». وتوقعت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة عبر بوابتها الإلكترونية أن يحمل اليوم الخميس إلى (السبت) المقبل عواصف رعدية متفرقة، ليستمر مسلسل الأمطار الذي فاجأ الجميع، ويبقى الطقس دافئاً، والأحساء موعودة بألا تتوقف عن ترديد أنشودة المطر، بعد أن كانت تهجو الأجواء بأهزوجة الغبار المزعجة.