على سفوح قمم جبال السروات، تتربع مدينة الورد الطائفي ضامة في ربوعها أكثر من ألفي مزرعة تحوي مئات الآلاف من الورد، التي تنتج سنوياً نحو 20 ألف «تولة» من العطر المميز، إلا أن هذا الرقم الضخم لا يزال بحاجة إلى الزيادة، خصوصاً أن إنتاج التولة الواحدة يحتاج إلى «تقطير» 10 آلاف وردة. عبر مشروع جامعة الطائف الذي أعلنت عنه الأخيرة لمواجهة التحديات والعوائق التي تعوق تقدم صناعة الروائح الشذية بطرق علمية مدروسة، بات الاعتراف بعالمية ورد الطائف وإدراجه ضمن المنتجات الاقتصادية ضرورة، ليحتل مكانة لا بأس بها في خريطة الإنتاج الوطني. من جهته، أوضح عميد كلية العلوم في جامعة الطائف الدكتور صالح الزيد ل «الحياة» أن الجامعة أجرت دراسات وتجارب حقلية من اجل مضاعفة إنتاج محصول الورد بكميات تجارية مع الحفاظ على الجودة من خلال زراعة الأنسجة، مشيراً إلى وجود معمل متخصص بهذا الشأن. ولفت إلى أن الجامعة اهتمت أيضاً بمحاربة أهم الآفات الفطرية والأمراض التي تصيب الورد، إذ تمكنت من إنتاج أدوية مضادة تبقي «بتلات» الوردة فترة أطول إلى أن يتم قطافها محتفظة بجودتها، سيعلن عن إخراجها من طور الدراسات والتجارب إلى الصبغة الرسمية عقب إخضاعها للتدقيق ومعرفة جوانبها السلبية ان وجدت. بدوره، أكد مدير مديرية الزراعة في محافظة الطائف المهندس حمود الطويرقي ل «الحياة» أن المساحة المزروعة بالورد تبلغ 1672 دونماً، وبلغ إنتاجها الموسم الماضي 230 مليون وردة، من خلال 78340 شجرة ورد، و34 معمل تقطير، تمخضت عن 19500 «تولة». بدوره، أشار حماد السالمي الباحث في الورد الطائفي إلى أن كتب التاريخ ومؤلفات الرحالة لم تتطرق إلى ذكر ورد الطائف سوى في القرنين الماضيين. وقال: «تعيش الطائف حال سنوية فريدة لا تعرفها المدن الأخرى أو دول الجوار كافة، تمتد 40 يوماً، تبدأ غالباً في أواخر آذار (مارس) وتنتهي بنهاية نيسان (ابريل). ويشهد أول أيامها قطف الوردة الأولى، وفيه تبدأ عملية التقطير لعطر الورد، ويشهد اليوم الأخير قطاف آخر وردة ونهاية عملية التقطير، وما ان ينسلخ شهر نيسان (ابريل) حتى تنتهي الحفلة الوردية، ثم يدخل الشجر في بيات صيفي خريفي، فتفقد الأشجار خضرتها تدريجياً وتنفض عنها أوراقها وتبقى أعواداً جرداء تقاوم حرارة الصيف وجفاف الخريف إلى أن يحل شهر كانون الأول (ديسمبر)، إذ يعود المزارعون إلى حقولهم، يتعهدونها بالحرث والسقيا، وتعود الشجرة إلى خضرتها لتورق وتزهر وتبدي من جديد بوادر كنوزها. من جهته، قال عايش الطلحي (احد ملاك مزارع الورد في جبال الشفا): «بعد أن قدمت جزءاً من مزرعتي لجامعة الطائف لإجراء التجارب التي كانت تنفذها وقتها الدكتورة الراحلة ناريمان أبو النصر، أخشى وفاة المشروع الذي يعول عليه مزارعو الورد الطائفي». وأضاف: «توارث أجدادي زراعة الورد منذ عشرات العقود، إذ إن الورد آنذاك انحصر في البيئة المحيطة، واقتصر كهدايا ثمينة تقدم في الغالب للنخبة من أبناء المجتمع، التي تحرص على اقتنائه للاستخدام الشخصي التقليدي». وتابع: «من المعروف أن محافظة الطائف تعد سلة مكةالمكرمة، وقد دخل ورد الطائف في غسيل الكعبة المشرفة منذ قرون، أما في السنوات الأخيرة فلوحظ وصول ورد الطائف إلى الدرجة التجارية، وأضحى التوجه إلى الاستثمار في الورد أمراً قائماً، لاسيما مع تطور التقنية الحديثة ووسائل النقل وتنظيم مهرجانات له شكلت دعاية وحوافز مغرية، دفعت ملاك المزارع إلى التسابق على عرض منتجاتهم واستغلال الوسائل كافة للترويج وإظهار الصورة الحقيقية للورد». وعن طرق زراعة الورد الطائفي، أوضح الطلحي تعدد طرقه التي من ضمنها استخدام «العُقل» الساقية التي تتمثل في دفن جزء من أغصان الورد في التربة، ثم يتم الانتظار إلى أن ينتج عقب مرور ثلاث سنوات منذ زراعته، فيما تتم طريقة أخرى بواسطة «الترقيد الأرضي» وهي شبيهة إلى حد كبير بالأولى من حيث المدة الزمنية للإنتاج، وهناك طريقة ثالثة تكون بزراعة الأنسجة وتتميز بالإنتاج في وقت قصير مقارنة بالطريقتين السابقتين، لكن يلزمها توافر معامل متخصصة». من جانبه، أشار محمد القرشي (مهتم بالورد الطائفي) إلى أن العقدين الماضيين شهدا انفتاحاً للعقليات التجارية على كنز ثمين، «هو الورد في أحشائه الدر كامن»، جازماً أن تحف الزينة في منازل أهالي محافظة الطائف لا تخلو من استخدام الورد الطائفي في مكوناتها، لافتاً إلى أن الورد ظل رمزاً للجمال، ورسولاً للحب بين القلوب وملهماً للشعر والشعراء.