بالفعل لا تعتبر نهائيات كأس العالم بطولة عادية، ولا تضاهيها اي بطولة أخرى، لها طبيعة ومعاملة لا مثيل لهما، وحين تحل علينا ضيفة لمدة شهر، ننشغل بها لدرجة تصل الى الجنون، فنحملها معنا الى المرافق التي نرتادها يومياً... مقر العمل، البيوت، المقاهي، المؤتمرات، الاعراس، المناسبات الخاصة. نجد في هذه المناسبة التي تتكرر كل اربعة أعوام اهتماماً من مختلف فئات المجتمع بتلك القطعة الجلدية المنفوخة خلال شهر كامل، البعض يحبها حباً جماً، والآخر يصفها بكراهية كونها تشل الحركة اليومية لساعات طويلة. بالأمس كنت قد دعيت لمناسبة اعلامية فنية في دبي، وعلى الطاولة التي جلست فيها أثير الحديث عن المونديال الافريقي، وعلى رغم انهم ليسوا مختصين بكرة القدم، الا ان حديثهم كان أمتع من «دردعة» بعض النقاد والمحللين في قنواتنا الرياضية، فهم لا يتحدثون عن التكتيك أو أسلوب اللعب أو ال4/4/2، إنما عن طريقة العيش طوال شهر كامل مع بطولة يتكرر فيها الحديث الممل بلا ملل عن المونديال والمنتخبات والنجوم حتى تدق صافرة نهاية يومنا معلنة عن وقت النوم. على طاولة كان الحديث عن مدى تأثرنا بالمونديال، احدهم ذكر مأساته مع ابنه الطالب في الثانوية العامة، وكيف يحاول منعه من متابعة التلفزيون. الآخر اكد انه يعشق الصناعة الالمانية فيرى في «المانشفت» منتخبه المفضل، واحدهم من الكتاب، أكد انه من عشاق البرازيل والارجنتين كونهما الاقرب للعالم الثالث، ويتمنى خسارة انكلترا واميركا، فيما كانت احدى الفنانات تصنف ايطاليا، اسبانيا، البرتغال بحسب الجمال والوسامة. الذي كان بجواري من اليمين ذكر انه مشجع لفرنسا لانه من عشاق شارع الشانزليزيه بالعاصمة باريس، أما الذي كان على يساري فقد بدا متضايقاً من سعر بطاقة الجزيرة الرياضية و«80 دولاراً» التي تباع في السوق ب103 دولارات!. على رغم ابتساماتي المتعددة، الا انني اراها نتيجة منطقية، فهذا هو المونديال، يجمع المختلفين ويفرق المتفقين، يجمع رجال السياسة، الصناعة، الاقتصاد، الاعلام، التسويق والاعلان، العلماء والادباء والمفكرين والشعراء والفنانين لمدة 90 دقيقة، ثم يفرقهم وكل واحد منهم يعبر بطريقته عن رأيه سواء بالايجاب أو بالسلب، وعموماً، لا أرى في ذلك عيباً ولا أجده ممنوعاً، فهذا هو العرس الكروي الاعظم الذي يصدر أكبر شحنات معنوية قوية وعنيفة لسكان العالم. [email protected]