يستحضر الديبلوماسي الإيراني السابق صادق خرازي تاريخ بلاده وهو يعلق على القرار الأخير بتشديد العقوبات على إيران: «لقد تلقينا، وعلى مدى تاريخنا المعاصر، ضربات عدة على أيدي الروس، لكن الواقعية تقتضي تحسين العلاقات مع روسيا بصفتها جاراً وعضواً دائماً في مجلس الأمن». ويرى خرازي أن ذلك يجب أن يحتل رأس الأولويات السياسية لطهران... ويتساءل عن الهدف من مهاجمة روسيا وحدها والصمت عما يتعلق بالصين على رغم أنها سارت في الطريق الذي تريده أميركا وأوروبا في قرار العقوبات الأخيرة. لكن عدداً لا يستهان به من الإيرانيين بدأ يمارس نقداً حاداً للموقف الروسي، حيت تُتهم موسكو بممارسة سياسة الخداع، وهي السياسة التي لا تتوقف عن الحديث عن روابط الصداقة مع الإيرانيين لكنها تماطل في اتمام مفاعل بوشهر على رغم مرور سنوات على بدء إنشائه، وهي السياسة ذاتها التي تحجم عن إتمام صفقة الصواريخ على رغم أنها تسلمت قيمتها من الطرف الإيراني في خطوة لا تجد فيها طهران سوى مغازلة لأميركا وإسرائيل. ويستشعر كثير من السياسيين الإيرانيين ضرورة التخلي عن العواطف في التعامل مع قرار العقوبات الجديدة، ويوصون أصحاب القرار بالتخلي عن الاشتباك اللفظي مع روسيا أو الهبوط به إلى الحد الأدنى، والشروع بمحادثات مع جميع الأطراف وليس فقط مع دول عدم الانحياز ويوصي خرازي من جهته بمحادثات غير مشروطة تبدأ من الصفر وليس من «بيان طهران» مع أهمية أن يأتي ذلك مصاحباً للتأكيد على أن الموضوع النووي الإيراني مسألة تتجاوز الأجنحة السياسية ولا يوجد مسؤول في إيران يمكنه أن يقدم على قرار يتخلى فيه عن حق بلاده في الطاقة النووية السلمية. وإن كان البعض يتحدث عن توتر في العلاقات الروسية الإيرانية إلا أن خبير العلاقات الدولية الدكتور مهدي سنائي يميل إلى وصفها بالعلاقات المبهمة لا المتوترة. وهو إبهام لا يمكن القول بأنه أحادي الجانب، لكنه بالنسبة الى الطرف الإيراني صاحب أبعاد واسعة ومتعددة، من دون أن يغيب عن الصورة أن كلا البلدين ينظر باهتمام الى علاقتيهما ودور هذه العلاقة في تثبت أمن المنطقة. ويميل الإيرانيون إلى تقسيم التعامل الروسي مع إيران إلى طيفين: الأول يتزعمه رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف ويقوم موقف هذا الطيف على نظرة ترجح كفة التوازن بين الشرق والغرب في السياسة الخارجية الروسية، وينظر باهتمام خاص الى التعاون مع إيران والعالم الإسلامي، ويؤكد استراتيجياً أن مكانة روسيا الدولية لا تقوم على المشاركة فقط بل وعلى المواجهة والمنافسة أيضاً، وهذا الطيف هو الأبعد في تقييمه للعلاقة مع إيران عن تأثيرات جماعات الضغط الداخلية والخارجية. أما الطيف الثاني ويمثله الرئيس ديمتري ميدفيديف وهو يميل الى الغرب والتعاون مع أوروبا وترويج سياسة الاقتصاد الحر وإلى تبني الموقف الغربي المتشدد نحو إيران. ولا يغيب التنسيق بين الطيفين اللذين يتحركان ضمن إطار المصالح القومية الروسية. ويأتي موضوع عضوية إيران في منظمة شانغهاي ليضيف نقطة سلبية الى العلاقات الروسية الإيرانية. فمنذ خمس سنوات لم تفلح الجهود الإيرانية في دخول المنظمة كعضو فاعل، حيث تتصدر روسيا والصين صف المعارضين لالتحاق إيران، وتريان أن ذلك من شأنه أن ينقل التوتر الأميركي الإيراني إلى صفوف المنظمة ويحول عملها في اتجاه لن يعود بالنفع على العلاقات الاقتصادية بالغرب خصوصاً بالنسبة الى الصين وروسيا. ولا ينكر أعضاء المنظمة أن انضمام إيران من شأنه أن يكمل التحالف سياسياً واقتصادياً بين دول المنظمة لكنها لا تخفي أيضاً أن الحجر الذي يقف عثرة أمام اكتمال العقد هو المعارضة الأميركية لانضمام إيران وما يمكن أن تتركه هذه المعارضة من نتائج على مصالح الدول الأعضاء. ويراهن البعض على مراجعة للموقف الروسي خصوصاً أن روسيا تدرك أن مصلحتها على المدى البعيد تكمن في علاقات جيدة مع طهران، وأن إخلالها بالتزاماتها تجاه الجمهورية الإسلامية في ما بتعلق بإكمال مفاعل بوشهر وإتمام صفقة الصواريخ (اس-300) والتغيير الواضح في موقفها الدولي معناه توسيع لمساحة عدم الثقة بين البلدين وهو ما سينعكس سلباً على النظرة الى روسيا من قبل دول لديها اتفاقات اقتصادية وأمنية حساسة معها ومن ضمنها سورية والمملكة العربية السعودية.