لماذا تمديد خدماتهم ؟!    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيسة مجلس الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني    المالكي يهنئ أمير منطقة الباحة بالتمديد له أميرًا للمنطقة    أمير الرياض يعزي في وفاة محمد المنديل    البيئة تؤكد وجود منظومة متكاملة لضمان سلامة اللحوم    أخيراً    ما يجري بالمنطقة الأكثر اضطراباً.. !    الأمم المتحدة: نحو 30% من اللاجئين السوريين يريدون العودة إلى ديارهم    الجيش الإسرائيلي يتسلم الرهائن الأربع    حكومة اليمن تطالب بتصنيف جماعة «الحوثي» «منظمة إرهابية عالمية»    تحديد موقف ميتروفيتش وسافيتش من لقاء القادسية    اكتمال جاهزية سافيتش    الاتحاد يقترب من أوناي هيرنانديز    التعاون يستضيف العروبة.. الخليج يلاقي الأخدود.. الأهلي أمام الرياض.. النصر يواجه الفتح    هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة الباحة جاهزيتها لمواجهة الحالة المطرية    «ليلة صادق الشاعر» تجمع عمالقة الفن في «موسم الرياض»    «هانز زيمر».. إبداع موسيقي وإبهار بصري مدهش    "افتتاح بينالي الفنون الإسلامية 2025 في جدة بعنوان "وما بينهما"    تمكين المرأة: بين استثمار الأنوثة والمهنية ذات المحتوى    الهروب إلى الأمام والرفاهية العقلية    أمير منطقة الرياض يتوج الفائزين بكؤوس الملك عبد العزيز وخادم الحرمين الشريفين للخيل    مانشستر سيتي يهزم تشلسي بالثلاثة    عبور 54 شاحنة إغاثية سعودية جديدة مقدمة للشعب السوري عبر الأردن    ضبط (3) مواطنين في ينبع لترويجهم الإمفيتامين والحشيش    انقطاع مفاجئ للكهرباء يعطل الحياة في الجنوب لأكثر من 6 ساعات    شركة الكهرباء تحقق بأسباب انقطاع خدماتها في جنوب المملكة    النفط ينهي أربعة أسابيع من المكاسب وسط خطط تعزيز الإنتاج الأميركي    التعليم.. بناءٌ للمجتمعات وتنمية مستدامة    «الحج والعمرة» تفوز بجائزة «WSA»    أصحاب السمو والمعالي يشكرون القيادة على تمديد خدماتهم    تأجيل لقاء الأخدود والخليج 24 ساعة    خدمات إسعافية على مدار الساعة في الحرم    السعودية تدخل «غينيس» للأرقام القياسية وتتوج الفائزين بكأس العالم للدرونز    آل الشيخ يلتقي رئيس وفد مملكة كمبوديا المشارك في مؤتمر آسيان الثالث    المملكة تختتم مشاركتها في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي 2025    الوجبات منخفضة السعرات شرط تقديم سفر الإفطار بالحرم    آل الشيخ يلتقي رئيس وفد مملكة ماليزيا المشارك في مؤتمر آسيان الثالث    روسيا: تخفيض سعر العملات أمام الروبل    لأول مرة منذ 6 أشهر.. تراجع ثقة المستهلكين بأمريكا    250 زائرا من 18 دولة أفريقية يزورون مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    "على ظهور الإبل" رحّالة بريطانيين يقطعون 500 كم داخل محمية الملك سلمان الملكية    ضيوف الملك: ريادة المملكة عالميا فخر للمسلمين    «المنافذ الجمركية» تسجل أكثر من 950 حالة ضبط خلال أسبوع    الهند تحقق في مرض غامض أودى ب17 شخصاً    الداخلية : ضبط (22555) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    تقلل خطر الإصابة لدى النساء.. ثورة واعدة لعلاج سرطان عنق الرحم    استمرار هطول أمطار على عدد من مناطق المملكة    ترمب يغيّر اسم خليج المكسيك    كائنات مخيفة تغزو جسد رجل !    اكتشاف قمتين أطول من إيفرست ب100 مرة !    مصر: التحقيق مع فرد أمن هدد فنانة مصرية    شامخات القصيد في معرض الكتاب بالقاهرة.    الربيعي تحصل على المركز الثاني في مسابقة بيبراس للمعلوماتيه    مدرب الأهلي "ماتياس": الجميع يعمل لتدعيم صفوف الفريق    بعد «سره الباتع».. فيلم جديد يجمع رانيا التومي مع خالد يوسف    الأمير محمد بن سلمان يُعزي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ فاضل الصباح    أمير الباحة يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته أميراً للمنطقة    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مملكة هذا العالم» لكاربانتييه: الهوية وأدب الواقعية السحرية
نشر في الحياة يوم 12 - 06 - 2010

الرواية التاريخية ليست من مبتكرات نهاية القرن العشرين كما يرى البعض من الذين فاجأهم تكاثر هذا النوع من الأدب خلال السنوات العشرين الأخيرة. الذي حدث هو أن رواج الصنف والجوائز التي أعطيت له، وإقبال القراء عليه مع انتهاء قرن وألفية حيّرا سكانهما ودفعاهم، الى البحث في الأدب عن تفسيرات، جدّد في الرواية الأدبية، مبتعداً في أحيان كثيرة عن «القواعد» التي كان جورج لوكاش رسمها في كتابه الشهير حول هذه «الرواية التاريخية» منطلقاً من أعمال سير والتر سكوت. بل نكاد نقول هنا ان الرواية في الأصل، ولدت تاريخية، حتى وإن كان قدر كبير من الخيال تدخل دائماً ليساند الحدث التاريخي الذي راحت ترويه. ثم بعد ذلك، منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين بدت الرواية التاريخية وكأنها صارت مثقلة الخطى، بطيئة التطور، حتى كان اقتراب القرن من نهايته وسعي سكانه للتأريخ لأنفسهم في وقت كانت كتب التاريخ نفسها اصبحت شديدة الاتجاه العلمي مملة لا تشجع على القراءة.
طبعاً لا يمكن هذا وحده ان يفسر تلك الصحوة التي عادت وعاشتها الرواية التاريخية، لكنه واحد من التفسيرات المحتملة، مع العلم أن كاتباً كوبياً كبيراً هو أليخو كاربانتييه كان، منذ عام 1949، قد دنا من ذلك التجديد من العمل الروائي التاريخي في واحدة من روائعه: «مملكة هذا العالم»... لكنه في طريقه تجاوز - ومن بعيد - كل ذلك السجال حول الأسبقية في الرواية التاريخية، أهو للبعد الروائي أو للبعد التاريخي؟ ذلك ان هذا النوع من السجال ساد واشتد طوال ما يقرب من القرن بين ناظر الى هذه الرواية على انها استكمال للتاريخ همها ان تفيده، أو ناظر إليها على ان التاريخ يجب ألا يتجاوز كونه مطية وذريعة لها. كاربانتييه، من ناحيته، حسم النقاش في اتجاه آخر تماماً: لم يعد المهم بالنسبة إليه ان يحدد لمن الأسبقية. صار يتعامل مع التاريخ وكأنه جملة من الوقائع التي تشكل بالنسبة إليه مادة خاماً، يشتغل بها كما يشاء ويحركها ويديرها طالما ان اللعبة ستستقر في نهاية الأمر على ابداع فني يصبح الواقع فيه جزءاً من الخيال، والتاريخ جزءاً من الواقع، والخيال محرك اللعبة كلها. ومن هنا سيكون من العبث عند النظر الى رواية مثل «مملكة هذا العالم» ان نفتح القواميس والموسوعات او كتب التاريخ المعتمدة، لمعرفة ما إذا كانت الشخصيات التي نراها في الرواية وجدت حقاً، أو كانت - إذا تبدّت حقيقية - على الشاكلة نفسها التي يصفها الكاتب. وبالطبع ثمة في «مملكة هذا العالم» شخصيات وجدت حقاً، مثل بولين بونابرت والملك هنري كريستوف وغيرهما، لكن لا شيء يضمن لنا انهم عاشوا حقاً، كما تعيّشهم الرواية. ومع هذا، ليسوا في الحقيقة بعيدين كثيراً منهم في الرواية.
تلك هي، إذاً، المعادلة التي رسمها قلم اليخو كاربانتييه في روايته، من دون ان يتساءل بينه وبين نفسه، عن حصة الواقع او حصة الخيال في هذا كله. وفي يقيننا ان هذا ما صنع لهذه الرواية - بل لروايات تالية لكاربانتييه تنتمي الى السياق نفسه - اهميتها وطليعيتها، جاعلاً منها درساً يحتذى في الكتابة، بصرف النظر عما إذا كانت هذه الكتابة تاريخية او روائية.
تدور احداث «مملكة هذا العالم» عند بوابات القرن التاسع عشر، في منطقة «كاب فرانس» في سان - دومينيك، في بحار اميركا الوسطى. في ذلك الوقت الذي كانت آثار الثورة الفرنسية بدأت تفعل فعلها، ونابوليون يعتبر بطلاً مقبلاً على أحداث ثورة على صعيد العالم تكمل ما بدأته الثورة الفرنسية. هذه الأحداث الضخمة نحن لن نراها منذ البداية، إلا من خلال عيني العبد الأسود تي - نويل، الذي تبدأ به الرواية متجولاً مع سيده مسيو لونورمان صاحب عزبة ميزي، في المدينة. والجولة التي يقوم بها هذا السيد مع عبده هي التي تعطي فرصة رائعة للكاتب لكي يصف المدينة الكولونيالية وروائع العمران والحياة فيها، مدغومة مع نظرات الترقب التي تتساءل عما سيكون عليه الوضع إن وصلت الثورة حقاً الى المكان. والحقيقة ان سمات هذا الترقب تزداد حدة حين يعود العبد وسيده الى عزبة ميزي، لنرى كيف يقوم التعايش الغريب هناك بين السادة البيض وهم في قمة جبروتهم، وبين عالم العبودية الأسود، حيث لا يخضع العبيد السود للأسياد فقط، بل يخضعون كذلك لكهنتهم الذين يمارسون في شكل يومي طقوس الفودو والسحر التي تشعر السود بهويتهم وتربطهم بالحرية الوحيدة المتاحة لهم: حرية العبادة. اما الكاهن الأكبر هنا فهو ماكاندال، الذي حين، تشوّه يده إذ تعلق في كماشة آلية يهرب من المكان وقد صرخ باللعنة ان تحل على العزبة كلها... هكذا بدأت ثورته... التي أدت بالفعل الى استشراء وباء مجهول قاتل راح يقضي على الحيوانات والناس في المزرعة، ومن بين هؤلاء زوجة السيد. وكان من أثر ذلك ان اندلعت ثورة عبيد أجبرت السادة البيض على الهرب الى مدينة سان - دومينيك، ومنها الى سانتياغو كوبا.
وهنا تنتقل بنا الرواية الى سانتياغو حيث تصل بولين بونابرت، وزوجها الجنرال لوكليرك... والحقيقة ان وصول الأميرة الى تلك المدينة لم يكن حدثاً عادياً... ذلك ان جمالها وسحرها يطغيان على الجميع، لا سيما حين تسلّم جسدها لعبدها الأسود سليمان كي يدلكه... غير أن هذا كلام لا يدوم، إذ ان موت الجنرال لوكليرك يدفع بالزوجة بولين للعودة الى فرنسا، تاركة ذكرى طيبة عطرة وأفكاراً جديدة، ولكن أيضاً تاركة العبد سليمان ملتاعاً لا يتوقف ليلاً نهاراً عن تدليك تمثال السيدة الحسناء. في هذه الأثناء، يكون العبد تي - نويل عاد الى عزبة ميزي، وتعود معه الرواية الى هناك... لكن العزبة تكون قد تحولت الى مملكة ملكها هو هنري - كريستوف، الطباخ السابق في دارة مسيو لونورمان. وعادت ممارسات الفودو من جديد. ولكن لأن لا شيء يدوم سرعان ما تتفتت مملكة هنري - كريستوف وينتحر هذا الأخير، فيما يأخذ تي - نويل على عاتقه، الحلول محل ماكندال، أي يتحول ليصبح كاهناً اكبر يتولى ادارة طقوس الفودو، وبالتالي الحفاظ على هوية هؤلاء الناس، الذين يعودون الى نظامهم القديم، بعدما مرت بهم كل تلك التقلبات.
من الواضح هنا، ان هذا التلخيص لرواية «مملكة هذا العالم» لا يعطيها حقها بأي حال من الأحوال. ذلك ان هذه الرواية ليست رواية أحداث، ولا رواية دروس تستخلص، بل هي أولاً وأخيراً، رواية مناخ: وهذا المناخ هو الذي يشتغل اليخو كاربانتييه (1904 - 1980) عليه ويعطيه الأفضلية. وكاربانتييه ذو الأصل الفرنسي (أبوه من مقاطعة بريتاني) يعتبر من كبار كتاب اميركا اللاتينية، وعميد الأدب الكوبي، وهو كان ديبلوماسياً وروائياً وشاعراً وناقداً وصحافياً... وكان همه الأكبر في رواياته الكثيرة (ومن ابرزها «اقتسام الحياة» و «عصر الأنوار» و «مطاردة انسان» و «الهارب والظل») ان يصور المجابهة الثقافية وحكاية البحث عن هوية. وهو عاش سنوات شبابه في فرنسا منفياً بعدما ناضل في كوبا ضد ديكتاتورية ماتشادو. وفي عام 1977 نال جائزة سرفانتس الإسبانية الكبرى عن أعماله.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.