كل شيء في الاستوديو الإخباري يتحول كما في الإعلان الخاص بمونديال 2010 إلى أدغال أفريقية افتراضية. المذيعون ومقدمو البرامج ينقلون إلى داخل المطبخ الاخباري كرنفالاً رياضياً جميلاً مشبعاً بأجواء القارة السمراء، فنتابع الرقص على قرع الطبول الأفريقية، وثمة ديكورات تشير إلى مجاهل غابات أفريقيا، وهي تعرش على الطاولات ومعدات التصوير، وهناك بالطبع المحاربون الأفريقيون الشجعان الذين يرقصون رقصات الحرب وبأيديهم الرماح المسنونة الطويلة. الطقس التلفزيوني افريقي بامتياز، والمتابع للإعلان الرشيق الذي تبثه قناة «العربية» ستلفت انتباهه هذه الدقة في التنفيذ والحرفية العالية في بعث إيقاع متدفق يحاكي «الهوس الكروي» الأفريقي. وبالتأكيد يمكن لهذا الإعلان، وخاصة بعد استقدامه إلى أستوديو اخباري متخصص أن يلعب دوراً مهماً في المستقبل في تغيير نظرة الاعلام العربي عموماً للقضايا الأفريقية، إذ لطالما تعامل مع القارة السمراء بوصفها مجاهل ليس إلا. هذا الحكم القاسي كان يحمل في طيّاته الكثير من الاستخفاف، إن لم نقل الازدراء لقارة بأكملها، مع أن نصف العالم العربي يقع فيها. المونديال يمكنه بالطبع أن يبدل من هذه النظرة السقيمة، وما نقل «مجاهل» أفريقيا إلى أستوديو متخصص إلا خطوة مهمة على هذا الطريق، ذلك أن هذا قد يعني أيضا أن الإعلام العربي يمكنه أن يكون أكثر إيجابية في تعاطيه مع قضايا وشؤون القارة المعذبة. ومن المؤكد أن «الفيفا» لم توافق على استضافة جنوب أفريقيا للمونديال طمعاً بالماس واليورانيوم والثروات الأخرى كما ذهب ناقد رياضي عربي في تحليلاته. بالتأكيد هناك أسباب كثيرة، منها الدور الذي يمكن أن تلعبه كرة القدم في تسليط الضوء على قضايا غائبة أو مغيبة، وهذا ما يقوم به الآن المونديال في التعريف بافريقيا وقضاياها المعقدة. وفي الحالة هذه نأمل أن تكون حظوة هذا العيد الكروي فرصة للمشاهد العربي ليعيش هذه التحولات الكونية بما يناسب تطلعاته أيضاً، ذلك أن أفريقيا ليست مجاهل حروب وصراعات دينية وعرقية وتاريخ عبودية مقززة ومجازر وأوبئة ووحوش وأفيال ضخمة فحسب، بل هي قارة فيها الكثير مما يعني البشرية نفسها، وبالتالي فإن الإعلام العربي المرئي والمكتوب والمسموع مطالب بأن يشطب من قاموسه مصطلح مجاهل أفريقيا، لأنه مصطلح لئيم وغادر، وليس هناك من حاجة للتذكير أن تقرير التنمية الانسانية في العالم العربي لعام 2004 يشير إلى أن هذه «المجاهل» تفوقت علينا نهاية القرن الماضي في مشاريع التنمية الخاصة بها الآن رغم كل الجروح والعذابات التي تعاني منها بما يمكن قياسه بثلثمئة سنة تطور، بعد أن كنا متفوقين عليها مطلع القرن نفسه خمسين سنة تنمية وتطور. نأمل مع هذه الاستعدادات الكرنفالية التي تتسابق إليها مختلف الفضائيات العربية أن يزول هذا المصطلح نهائياً من القاموس الإعلامي العربي فهو إرث استعماري لا دخل لنا فيه.