أصدر المؤتمر الدولي حول «حقوق وواجبات المسلمين في المجتمعات الغربية» وثيقة تضمنت توصيات عدة، وذلك في ختام أعماله التي عقدت أخيراً في مدينة الإسكندرية. نظمت المؤتمر رابطة الجامعات الإسلامية بالتعاون مع المعهد السويدي في الإسكندرية ومكتبة الإسكندرية، وحددت الوثيقة معالم التعاون المرجو بين المسلمين ومجتمعاتهم الغربية عبر عدد من التوصيات في مقدمها ضرورة الحوار مع غير المسلمين والانفتاح عليهم، والتمسك في الوقت ذاته بالقيم الإسلامية والحفاظ عليها. ودعت التوصيات إلى «تعايش سلمي إيجابي»، وتثبيت الهوية الإسلامية والحرص على إقامة الشعائر الدينية وتقديم الصورة السلوكية الحقة للمسلم. كما أوصى المشاركون في المؤتمر بالعمل الدؤوب المستمر من أجل الحفاظ على اللغة العربية وعلوم الشريعة المختلفة، مشددين على ضرورة إنشاء مؤسسات تعليمية متخصصة في تعاليم الدين الإسلامي. وأعرب المؤتمرون عن أملهم بدور أبرز لمسلمي أوروبا في إطار المشاركة الفاعلة في الاتحاد الأوروبي والمتعلقة بتشريعات تخص أمور الأقليات الإسلامية. وأكدوا موقفهم من وسطية الإسلام، محذرين من دعاوى التطرف والإرهاب ومعاداة الآخرين. وذكرت «وثيقة الإسكندرية» في هذا الصدد أن احترام الآخر والحوار معه هو مبدأ إسلامي جاء تأكيده العملي على شكل مبادرات إسلامية محلية ودولية عدة، كمبادرة حوار مدريد والأمم المتحدة، مؤكدين أهمية استمرار عقد هذه المؤتمرات بصفة دورية في بلاد غربية عدة. ووجهت الوثيقة الدعوة إلى الدول الغربية التي تعيش فيها تجمعات إسلامية إلى ضرورة تفهم واحترام معتقدات الإسلام وإتاحة مساحة أوسع لممارسة الحقوق والحريات الدينية من منظور المواطنة، كبناء المساجد وتخصيص مساحات مناسبة للصلاة والسماح بإجازات مدفوعة الأجر في الأعياد الدينية. وطالبت الوثيقة الصحف الأوروبية ومختلف وسائل الإعلام بالكف عن الإساءة إلى الإسلام والشعائر الإسلامية باعتبار أن الدين الإسلامي هو دين سماوي لا يمكن المساس به أو الإساءة إلى نبيه الكريم. وناقش المؤتمر على مدار يومين الكثير من الدراسات والبحوث وأوراق العمل شملت التركيز على الجوانب والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتعلقة بوضع المسلمين في المجتمعات الغربية. واهتم المؤتمر ببحث سبل مواجهة الصورة السلبية للمسلمين في تلك المجتمعات والدور المتوقع من الأمة الإسلامية للتعامل مع هذه المشكلات. وأكد أمين عام رابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي خلال المؤتمر أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة هدفت إلى تقليل الأزمات الإنسانية والابتعاد عن الصراع وتقوية القواسم المشتركة بين الشعوب. ولفت إلى أن التمييز ضد المسلمين في الغرب يخالف القوانين الغربية والعدالة الإنسانية، موضحاً أن من يدرس الإسلام دراسة حقيقية يجد أن رسالته منفتحة، تحضّ على التواصل والتعاون الإنساني لمواجهة مشكلات البشرية. وفى السياق نفسه طالب الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية الدكتور جعفر عبدالسلام في كلمته بوضع ميثاق شرف لأخلاقيات العلم للاستفادة من تجارب وبحوث مختلف الدول، وتشجيع تبادل الأبحاث العلمية بين الجامعات، وعمل دراسات مشتركة للارتقاء بالأمة الإسلامية، على أن تكون قابلة للتطبيق، ومتابعة تنفيذها والتركيز على المشكلات التي تهم العالم الإسلامي. وفي الختام دعا المؤتمر الغرب لمكافحة نظرة الخوف الهوسي من الإسلام والتصدي لها كونها تضر بنسيج المجتمعات الغربية المتعددة وكذلك علاقاتها بمسلمي العالم، كما حضّ مسلمي أوروبا والغرب على التفاعل الإيجابي مع مجتمعاتهم الأوروبية في شكل متوازن بين هويتهم الإسلامية وواجباتهم كمواطنين واحترامهم للقيم والقوانين السائدة في تلك المجتمعات، وكذلك المشاركة الفاعلة في بناء المجتمعات الأوروبية في مختلف المجالات. وأكد احترام الإسلام حرية الرأي المسؤول، ودعا إلى عدم الإساءة إلى الأديان عموماً والإسلام بخاصة، باسم حرية الرأي والتعبير. وتزامن المؤتمر مع ندوة عقدتها رابطة الجامعات الإسلامية بالتعاون مع جامعة الإسكندرية حول «الدور المأمول للجامعات الإسلامية في المرحلة الراهنة». وأكد الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي خلال الندوة أهمية الحوار الإسلامي الغربي لتصحيح الصورة المغلوطة التي صنعها الإعلام الغربي للإسلام واتهم فيها أمتنا بالتخلف والتطرف، مشدداً على أن تاريخ الأمة الإسلامية حافل بالإنجازات العلمية، سواء في الأندلس أو شرق أوروبا، وفي بغداد والمغرب، ما جعلها قبلة للعلماء. وقال التركي إن الجامعات السعودية تمر في الوقت الراهن بقفزة غير مسبوقة، خصوصاً في ما يتعلق بالبنية التحتية، والتخصصات المختلفة، وعلاقتها مع العالم الخارجي. وعرض لتجربة جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير العلوم والتكنولوجيا، باعتبارها نمطاً جديداً للجامعات الإسلامية، فقد استطاعت الانفتاح على العالم والتواصل معه تكنولوجياً ومعرفياً. ونوه كذلك بمدينتي الملك عبد العزيز والملك عبدالله للبحث العلمي في السعودية، وشدد على أهمية الاهتمام بالدراسات العلمية والتاريخية والسياسية، لافتاً إلى التحديات العالمية التي نواجهها، والتي تسعى إلى تفتيت مجتمعاتنا العربية إلى دويلات وطوائف متعددة. كما طالب العلماء بضرورة التركيز على التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية، داعياً إلى إنشاء ملتقى دولي على مستوى الجامعات العربية الإسلامية، يمكنها من التعاون في بحث المشكلات والتحديات التي تواجه العالم الإسلامي، ويتم من خلاله تطوير الرؤى الاستراتجية، في ما يتعلق بالبحث العلمي وتبادل الخبرات التكنولوجية. ومن جانبه أشار الدكتور جعفر عبدالسلام إلى أهمية إعادة النظر في العلوم والمناهج التي يدرسها الطلاب في الجامعات العربية والإسلامية، وقياس مدى نجاحها في تأهيل الشباب لمواجهة تحديات العصر، ودعا إلى الاهتمام باللغة العربية، والثقافة الإسلامية، فمن دونهما لن ننجح في الارتقاء بالجامعات الإسلامية والعربية. وفي سياق متصل أكد نائب رئيس جامعة الإسكندرية الدكتور عكاشة عبد العال أهمية الانفتاح الملتزم في رسالتنا، ومدى تأثيره على قيمنا الأصيلة، فنحن في فترة حرجة وأحوج ما نكون إلى التمسك بديننا وتقاليدنا العربية الأصيلة. وفي ختام الندوة ناشد المشاركون فيها الدول العربية والإسلامية كافة، وضع موازنات مناسبة للبحث العلمي، والعمل على وضع ميثاق شرف عالمي لأخلاقيات العلم، يلتزم به العلماء والباحثون يمكنهم من الاستفادة من الأبحاث العلمية والتقنية المتطورة، كما شددوا على ضرورة ملاحقة التطورات العلمية، والمستحدث في الجامعات الشرقية، والتي تفوقت مناهجها التكنولوجية الخاصة على بقية جامعات العالم.