الشدة في الجانب العقدي لدى التيار الجهادي القاعدي لم تكن كذلك على الصعيد الفقهي بنظر عدد من المراقبين، إذ تم الترخص في جوانب محظورة وتشهد ممانعة اجتماعية ملموسة، كانتفاء المحرم مع المرأة القاعدية من المحرم، واختلاطها مع الرجال، في حين لا يحضر هذا البعد التسامحي في جوانب الاعتقاد أو مسائل الولاء والبراء. ويبدو أن ظهور هذا التناقض أزعج المتطرفين أنفسهم، حتى لجأ بعضهم إلى المصاهرة كحل لتلك الأزمة، لكن الواقع تطلب الاندماج والتغاضي كما يراه المراقبون. يقول الباحث الشرعي عبدالعزيز الغنام: «أستغرب من التساهل في خلو المرأة القاعدية (نسبة إلى تنظيم القاعدة) من دون محرم مع الرجال، وهذا يتنافى مع الأدبيات التي تقوم عليها الأفكار المتشددة، إذ هي ترفض كل من يخالفها الرأي وتتذرع بأن الضرورات تبيح المحظورات، وكل أمر يتم التهاون فيه يتم التعلق بأهداب هذه القاعدة التي استخدموها في غير محلها». ولفت إلى أن المسائل التي يتعدى ضررها للغير كالتكفير ونحوه تشهد تصلباً في الرأي وضيقاً في الأفق تجعل كل من ينادي بالتأني والتروي والاعتذار لمن يتأول في دائرة المنهزمين أو المميعين للدين. وأضاف: «المرأة سريعة الانقياد بشكل عام، وهذه إشكالية لكن حين تقوم بالتسويق لهذا الفكر وتتبناه وتحرض أو تجند غيرها فهي تجاوزت التعاطف إلى الاعتقاد، وهذا يتطلب مواجهته بشكل مدروس». ولم تلامس استغاثة سعيد الشهري شغاف الجماهير الإسلامية التي تعاطفت حيناً من الوقت مع الخطاب المتشدد، لنجدة «هيلة القصير»، إذ قطعت المحادثة التليفونية بين الأمير محمد بن نايف والمنتحر الشك باليقين (في نظر المراقبين)، وظهرت العفوية والحرص الشديد على المرأة باعتبار أن لها أولوية في كل شيء. «ودي المرأة هذي وعيالها يجون سالمين غانمين لأن النساء عندنا اولويه في كل شي»، «والله يخيروني هالحين بينكم كلكم والا هم كان لا أنتم اقعدوا وخلوها تجي» المقتطفات السابقة من محادثة الأمير محمد بن نايف تؤكد في نظر الباحث الشرعي سليمان الدويش أن المرأة تتمتع بتعامل خاص، وأن أي محاولة للمزايدة تصطدم بجدار الواقع الفولاذي وتنهار عند أسواره. وأضاف الدويش: «الحديث كان عفوياً ولم يكن مرتباً له من الأمير وواضح فيه الصدق وصفاء النية، ولو كان ينطوي على غدر وتدليس ومخادعة، لرأيته مليئاً بالمجاملات والوعود الكاذبة، ولكنه خلي من ذلك كله، ولا أدل على ذلك من تعذر الأمير عن الدخول في الحقوق الخاصة، وهذا يتوارى أمام حديث الأمير عن المرأة، ورغبته في عودتها لحضن أسرتها وفي كنف والديها، وأنه لو خُيِّر بين عودة الفارين جميعاً وعودة المرأة وطفليها لاختار عودة المرأة». تبدو صورة المرأة المتطرفة سريعة الاعتناق للأفكار وسريعة التنازل عنها، إذ ذكر رئيس حملة السكينة في وزارة الشؤون الإسلامية، المختصة في محاورة من يعتنق الفكر الضال المتطرف عبر الشبكة العنكبوتية عبدالمنعم المشوح أن نسبة التراجع لدى النساء كبيرة تتراوح بين (45 و50) في المئة، إضافة إلى أن 90 في المئة من النساء السعوديات تعاطفن مع الأفكار المنحرفة نتيجة لتأثر عاطفي بحت دون قناعات علمية أو شرعية عبر الشبكة العنكبوتية بحسب المشوح، إذ أكد أن «المرأة بحسب تجربتنا سريعة التعاطي مع الطرح الفكري، فهي وإن كانت سريعة التأثر بالجانب الغالي والمتطرف كذلك هي سريعة الرجوع إلى الحق واتباع المنهج الوسط». الفضاء الافتراضي كان مناخاً جيداً للتحرك النسائي القاعدي، إذ تقول أم أسامة المسؤولة السابقة لمجلة الخنساء في حوارات إعلامية حول أدوار النساء في التنظيم: «انتشارنا فكرياً كان بنسبة 80 في المئة، عن طريق الإنترنت، في هذه الطبقة توجد ناشطات كثيرات، لدينا منتديات وقوائم بريدية وخطط كثيرة لدعم التنظيم فكرياً، ووصلتنا إرشادات كثيرة من قادة التنظيم حتى من أسامة بن لادن امتدح فيها المجاهدين والمجاهدات عبر الإنترنت». وعلى رغم أن بعض الآراء المتشددة ترى أن المرأة مكانها البيت من المهد إلى اللحد، إلا أن هذا مغيباً في الخطاب القاعدي النسائي، إذ تحرض إحدى نساء القاعدة منى الشرقاوي شقيقاتها في رسالة بعنوان «يا نساء دوركن... فقد نام الرجال» من 15 صفحة نشرها موقع صوت الجهاد تؤكد فيها منهج التطرف والغلو والتكفير، وتخاطب بنات جنسها على وجه التحديد وتدعوهن إلى عدم التباطؤ في نصرة الدين والاتكاء على الرجال، فتقول: «فيا من أكرمك الله ورفع قدرك لا تحقري من المعروف شيئاً، فتتباطئي منتظرةً دور الرجال في نصرة دينك وتتكاسلي في خدمته وأخُصُّ من ذلك فروض الأعيان فلا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك، فلا تتهاوني وتَفَكَّري معي في واقع أمتنا المرير وكيف تخاذل عنه أكثر رجالاتها في الوقت الذي يسام فيه أهل الإسلام سوء العذاب»، ولا يدرى هل في الأيام المقبلة يزيد أم يتوارى الحضور النسائي القاعدي في ظل انخفاض صوت الإرهاب الرجالي.