اليوم الأربعاء السادس والعشرون من جمادى الآخرة من العام 1431ه الموافق التاسع من حزيران (يونيو) 2010 يوافق ذكرى مرور خمسة أعوام على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - يحفظه الله - مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية. لقد كانت هذه السنوات الخمس سنوات خير وبركة وأمن وتنمية وإصلاح وتطوير. وعلى رغم أن المحيط الذي توجد فيه المملكة مليء بالصراعات والأحداث السياسية والأمنية غير المستقرة: فالعراق لا يزال يعاني من آثار ومخلفات الاحتلال، واليمن بين تمرد حوثي في الشمال ومطالب بالانفصال في الجنوب، والسودان بين اتهامات دولية للحكومة بإبادة جماعية في دارفور وإرهاصات انفصال في الجنوب، والصومال يتجرع ألم الحرب الأهلية، وفلسطين المحتلة منقسمة بين سلطة في الضفة الغربية وسلطة أخرى في غزة، كذلك البلاد على المستوى الداخلي مرت بتحديات صعبة وواجهت أخطاراً جسيمة في مقدماتها الأحداث الإرهابية، والأزمة الاقتصادية العالمية، إلا أن المملكة استطاعات - بتوفيق الله ثم بحكمة ورؤية خادم الحرمين الشريفين السديدة - أن تتغلب على تلك التحديات والصعوبات وتخرج منها بإنجازات سامقة. عديد من الإنجازات تحققت على الصعيد الوطني والعربي والدولي خلال تلك السنوات الخمس. فعلى الصعيد الوطني نذكر: إصدار نظام هيئة البيعة، ومشروع تطوير وتحديث جهاز القضاء، ومشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام، والمدن الاقتصادية، وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وزيادة عدد الجامعات الحكومية من إحدى عشرة جامعة إلى خمس وعشرين جامعة، وبرنامج الملك عبدالله للابتعاث للخارج، وإنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، وعلى الصعيد العربي نستذكر مؤتمر مكة للمصالحة الوطنية بين الأشقاء الفلسطينيين، ومبادرة المصالحة بين الحكام العرب التي أعلنها في قمة الكويت الاقتصادية، ومؤتمر الحوار الإسلامي في مكةالمكرمة. أما على المستوى الدولي فنشير إلى المؤتمر العالمي لحوار الأديان في مدريد، وقمة الحوار بين الأديان والثقافات في الأممالمتحدة، وإسهامات المملكة المعطاءة في محاربة الفقر على الصعيد العالمي، ودخول المملكة مجموعة العشرين. يعتبر التعليم ثم التعليم ثم التعليم أحد أهم الملفات الوطنية التي تحظى بعناية ورعاية واهتمام ومتابعة من الملك عبدالله. فالاستثمار في التعليم هو استثمار من أجل بناء قوة بشرية سعودية مؤهلة ومدربة وعلى كفاءة علمية عالية تتحمل مسؤوليتها في إدارة شؤون الدولة ومؤسسات القطاعين الحكومي والخاص بكل كفاءة ومهنية. ولذلك نلحظ أن قطاع التعليم حظي بأكبر نفقات الموازنة العامة للدولة على مدى السنوات الخمس الماضية، إذ إنه يستقطع نحو 25 في المئة من الموازنة. لعلي أستشهد بمثالين يعكسان اهتمام وعناية الملك عبدالله بقطاع التعليم هما: جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وبرنامج الملك عبدالله للابتعاث للخارج. جامعة الملك عبدالله هي باختصار تمثل حلم الملك في بناء جامعة على أرض المملكة تكون «بيتاً جديداً للحكمة، ومنارة للسلام والأمل والوفاق، تعمل لخدمة أبناء المملكة ولنفع جميع شعوب العالم». إن جامعة الملك عبدالله تمثل إضافة حقيقية في مجال التعليم العالي والبحث العلمي في المملكة، كونها تتسم بالعالمية وتعمل وفق منهج التميز والإبداع العلمي والبحث لتحقيق إنجازات علمية ومعرفية غير مسبوقة تعود بالنفع على المملكة خصوصاً والمنطقة والعالم عموماً. لقد استطاعت الجامعة أن تجلب للمملكة أسباب ومقومات تقدم ونهضة العالم الأول: أفضل العقول – أميز الخبرات – أمهر الباحثين – أحدث المناهج والأساليب العلمية – أفضل التطبيقات العالمية والتصاميم في مجال تعجيل الاكتشافات العلمية – أعلى المعايير الدولية المستخدمة في التعليم والبحث العلمي – تبادل المعارف والمهارات والخبرات بين الجامعة وشركائها الرواد الأكاديميين والصناعيين – والتركيز على دراسة العلوم والمعارف المتقدمة. إن دخول جامعة الملك عبدالله في شراكات مع أبرز الشركات الصناعية مثل (أرامكو السعودية، ويوينغ، وداو للكيماويات، وهاليبرتون) وأعرق المؤسسات الأكاديمية مثل جامعات (أكسفورد، وستانفورد، وكامبيردج، وكورنيل، ومعهد ماساتشوستس للتقنية) شجع الجامعات السعودية الحكومية منها والأهلية على توقيع مذكرات تفاهم وبناء شراكات علمية مع الجامعات المرموقة في العالم غرباً وشرقاً، وتأسيس كراسي علمية وأوقاف لتعزيز مواردها الذاتية للإنفاق على مشاريع البحوث والتطوير واستقطاب الأساتذة والباحثين المميزين ورعاية الطلاب الموهوبين. أما برنامج الملك عبدالله للابتعاث للخارج فهو أحد البرامج التعليمية الطموحة الذي أستحدث في عام 1426ه (2006) بهدف توفير فرصة للطلاب السعوديين للدراسة واكتساب المعارف والمهارات والخبرات في أفضل الجامعات العالمية وفي تخصصات نوعية مثل (الطب والهندسة والصيدلة والحاسب الآلي والقانون ونظم المعلومات الإدارية...) تتفق مع خطط التنمية في المملكة ومتطلبات سوق العمل الحكومي والخاص. لقد التحق بالبرنامج في فترته الأولى (1426 – 1430ه) أكثر من (70) ألف طالب وطالبة. وقد أمر الملك عبدالله أخيراً بتمديد البرنامج لخمس سنوات أخرى (1431 – 1435ه) وهذا يعني مزيداً من الاستثمار في تنمية الموارد البشرية الوطنية وتأهيلها الأمر، الذي سيسهم في إعداد جيل من الشباب السعودي المؤهل تأهيلاً علمياً عالياً في تخصصات نوعية تسد العجز الحالي من الكفاءات الوطنية في القطاعين الحكومي والخاص، إضافة إلى الإسهام في إيجاد بيئة علمية ومعرفية وبحثية ستشجع وتحفز على الانخراط في مشاريع التميز والابتكار والإبداع العلمي والبحث. إن الانجازات التي تحققت خلال السنوات الخمس الماضية تتطلب منا جميعاً التوحد لدعم مشاريع الملك عبدالله التنموية والتطويرية كلاً على حسب موقعه: مشاركة ومساندة وفكراً ودعاء، والتي هدفها رفع كفاءة المخرجات وتحقيق الأمن والرخاء الاقتصادي للدولة والمجتمع. كذلك العمل بروح التميز والمنافسة والإبداع، فالمملكة أصبحت اليوم إحدى دول مجموعة العشرين، وإذا كان هذا استحقاقاً استطاعت المملكة الحصول عليه بكل كفاءة واقتدار إلا أنه يرتب عليها واجبات ومسؤوليات لم تكن عليها من قبل. وفي مقدم هذه المسؤوليات: تطوير أنظمتها وتحديثها من دون إبطاء، رفع كفاءة ومخرجات الأجهزة الحكومية، إيجاد بيئة استثمارية تحفيزية، الإسراع في تنفيذ مشاريع الحكومة الإلكترونية والاهتمام بالبحث العلمي والإنفاق عليه كرافد رئيسي من روافد الإبداع. * عضو مجلس الشورى السعودي.