منذ نحو 15 عاماً جلست مع أصدقائي نتجاذب أطراف الحديث حول الكعبة والحج والعمرة والخدمات الجليلة التي تقدمها المملكة العربية السعودية لحجاج بيت الله الحرام والمعتمرين على مدار العام، التي لا ينكرها إلا جاحد، وقلت بالحرف الواحد آنذاك «ليت المسؤولين عن المشاعر والعلماء يتسامحون قليلاً في توقيت رمي الجمرات وساعة الزوال لأن الحجاج تزداد أعدادهم وقد يأتي يوم تحدث فيه كوارث إن ظللنا نتمسك بهذا الوقت القصير المحدد للرمي بحصره في وقت قبيل الزوال، لأن هذا الوقت لن يسعف الأعداد الغفيرة التي تحتضنها المملكة سنوياً والتي تزداد عاماً بعد عام»، لكني فوجئت بأحد الجلوس يتهمني بالفساد وقال لي «أنتم وأمثالكم من المبتدعين تسعون دائماً لإخراجنا عن هويتنا الإسلامية وعن الطريق القويم ولن تنالوا غرضكم المشبوه... رسولنا الكريم «صلى الله عليه وسلم» قال قبيل الزوال... لماذا نتفلسف»، قلت له «رسولنا العظيم سألوه عن أمور كثيرة في يوم الحج الأكبر مع 100 ألف حاج، وهي الحجة الوحيدة التي قام بها عليه الصلاة والسلام مع الصحابة ليعلمهم مناسكهم وليأخذوها عنه غضة لا شبهة فيها ولا تعتيم، ويومها رد معلم البشرية على جميع استفسارات الصحابة بقوله «افعل ولا حرج» طالما تلك الأشياء لن تمس صلب العقيدة ولا تتعلق بأركان ثابتة لا فصال فيها». الأصل في معظم الأمور هو مبدأ «لا ضرر ولا ضرار»، فكنا نجد من سنوات من يصممون على تقبيل الحجر الأسود مباشرة، حتى ولو صعدوا فوق أكتاف العجائز والأطفال، ومع زيادة الزحام خرجت إفتاءات كثيرة تفيد باستحباب عدم التزاحم والاكتفاء بالإشارة مع التكبير مادام هناك ضرر سيقع بنفسٍ ضعيفةٍ قد يؤدي لوقوع المتسبب في معصية وإثم شديدين. يجب أن نميز بين الشعيرة وأركانها في كفة وبين روح الشعيرة والمرونة عند آدائها في الكفة الأخرى، فلن يقبل عاقل أن يقال له إن الطواف خمسة أشواط أو ثلاثة عند الزحام، لأن الأشواط السبعة أساس للطواف وركن أصيل لا يقبل التعديل وورد فيه نص لا يحتمل التأويل. استمعت منذ خمسة أعوام من أخ فاضل اقتراحاً عن منى وحركة الحجاج فيها، وتحدث معنا عن أمله في تطبيق مشروع «سير متحرك» في اتجاه واحد يمر بالحجاج من جهة ويرجع من الجهة الأخرى، مجبراً إياهم على توحيد السرعة بلا مزاحمات ولا مشاحنات، وتحدث أيضاً عن حلم القطار الذي يتحرك وينقل الناس من مزدلفة إلى منى إلى مكة، وامتعض أحد المستمعين وقتها وقال لصاحب الاقتراح أخشى أن أسمعك تطالب بوقوف الحجاج ودوران الكعبة حول نفسها، وها نحن اليوم نسمع عن قرب تشغيل مشروع القطار بين المشاعر المقدسة في حج هذا العام، ومشاريع السير المتحرك التي تتطور يوماً بعد يوم، ودعوت للسلطات السعودية والعلماء والمفكرين القائمين على تلك المشاعر بالتوفيق والسداد، ودعوت الله أيضاً أن يُبعد عنا أعداء التطوير ومعارضي التغيير الذين فضلوا تجفيف المنابع بإيقاف عقول العلماء وتحجير فتاوى الفقهاء بصورة يمكن أن تؤدي إلى الكوارث تحت مسمى الاتباع المطلق بلا تدبر ولا تفكير... وهذا هو المنعطف الخطر. مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي جامعة الملك سعود [email protected]