شغلت الصحافية الأميركية من أصل لبناني، هيلين توماس الإعلامين الأميركي والعربي بتصريح مقتضب أدلت به قبل أيام وقالت فيه حرفياً: «على اليهود أن ينصرفوا من فلسطين وأن يعودوا إلى بيوتهم في ألمانيا وفي بولندا». وما كادت عميدة صحافيي البيت الأبيض التي واكبت 10 رؤساء أميركيين، تنهي تصريحها حتى قامت الدنيا ولم تقعد بعد لأنها طاولت اليهود والإسرائيليين بكلمتين فحسب. وهاتان الكلمتان اللتان «هزّتا» الإعلام الأميركي، بخاصة الذي يقف خلفه اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة، تترددان يومياً على ملايين الألسنة العربية في المجالس والساحات والطرق والتلفزيونات والإذاعات، لكن لا أحد يسمعهما ولا تتركان أثراً عند أحد. أما حين جاءتا على لسان هيلين توماس وبلغة الأميركيين ووسائل إعلامهم وتحديداً عبر الشاشات الصغيرة، فكانتا موجعتين جداً للصهاينة، فشنوا حملة إعلامية ضدّها مع اتهامات جاهزة لها ب «العنصرية» و «معاداة السامية»، ومن المرجّح أن الحملة لن تحيل هيلين توماس التي لم تعرف السكون وهي تشارف التسعين من العمر، إلى غياهب النسيان. وهيلين توماس التي طالما خدمت بلادها الولاياتالمتحدة بالكلمة والموقف وخدمت أجيالاً صاعدة من الإعلاميين بتجربتها ومؤلفاتها وأبرزها «الصف الأول في البيت الأبيض: حياتي وأوقاتي» الصادر قبل نحو عقد، نسي الإعلام الأميركي آلافاً مؤلفة من مفرداتها وكلماتها وجاء يحاسبها على كلمتين قالتهما في خريف العمر، فأرغمت بعد 57 عاماً من العمل في مهنة المتاعب في قلب البيت الأبيض، على تقديم استقالتها من مؤسسة صحف هيرست. وربما ما ساعد في إعطاء تصريح هيلين قوته هو أنها أدلت به على هامش احتفال رعاه الرئيس الأميركي باراك أوباما في إطار ما يسمى «شهر التراث اليهودي». خلال ذلك الاحتفال، سئلت توماس عن رأيها بإسرائيل، فأجابت مباشرة: «ليخرجوا من فلسطين إلى الجحيم». وعن الشعب الفلسطيني أجابت: «هؤلاء تحت الاحتلال وهذا وطنهم... فلسطين ليست ألمانيا ولا بولندا». ولدى سؤالها: «إلى أين سيذهب اليهود؟»، أجابت: «ليعودوا إلى وطنهم إلى بولندا وألمانيا، إلى الولاياتالمتحدة، إلى أي مكان آخر». كما هاجمت توماس إسرائيل بشدة، على خلفية المجزرة التي ارتكبتها ضد أسطول الحرية، واصفة ما جرى ب «المجزرة». هيلين أثبتت ان لا مجال لحرية الرأي وتعدد الآراء في أميركا عند الحديث عن إسرائيل، لا سيما حين ينقل الرأي من صفحات الإعلام المطبوع، الى شاشات الإعلام المرئيّ. لكن هذا على أهميته يجب أن يحض الإعلام العربي على فتح هوائه على مصراعيه لهيلين وكثيرين أمثالها يعيشون في الولاياتالمتحدة وفي الغرب عموماً حيث يكون للأداء الإعلامي المحترف أثر كبير جداً على الأقل في تأليب الرأي العام الأميركي، دافع الضرائب الممول الأول لإسرائيل... أليس العصر عصر الإعلام؟