رسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وبعد أقل من عامين من تسنمه مقاليد الحكم في البلاد، في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الرابعة لمجلس الشورى في نيسان (أبريل) 2007 الواقع الداخلي للبلاد، والسياسة المستقبلية للحكم الداخلي في السعودية، حين وعد بإحلال العدل وضرب هامة الجور والظلم. ولم تطل فترة انتظار تحول الرؤية الملكية العدلية إلى واقع تنفيذي في أهم مرافق العدل والقضاء، فأُقرّت واعتُمدت أنظمة القضاء وديوان المظالم الجديدة تحت مظلة «مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء»، برصد 7 بلايين ريال لدعم مشروع التطوير في تشرين الأول (اكتوبر) 2007، بعد أن بقيت الأجهزة العدلية في السعودية، ولأكثر من 35 عاماً، رهن الأنظمة التنظيمية القضائية التي صدرت للمرة الأولى في عام 1975. وجاءت الحاجة إلى المشروع التطويري تحت إلحاح التغير الجذري للظروف الداخلية والخارجية التي مرت بها السعودية، وعجز الأجهزة القضائية في وضعها القديم عن مواكبة المتغيرات الجديدة، فالزيادة المطردة للسكان في السعودية وتعقّد القضايا الداخلية، في مقابل عدد القضاة القليل نسبياً – لم يتجاوز 700 قاضٍ عند إقرار المشروع-، إضافة إلى دخول السعودية في منظومات عولمية معقدة، تجعل من المحاكم المتخصصة ضرورة لازمةً لم تستطع المحاكم التقليدية تلبية متطلباتها. ومع إقرار المشروع التطويري الجديد، انتظرت الأوساط المهتمة في السعودية تحولاً ملموساً في الواقع القضائي، قبل أن تتبين إشكالات التأخر الطويل لعملية التغيير والتطوير والحاجة إلى جراحة قيصرية لإخراج المولود الجديد. وظهرت أولى الإشكالات في الأوساط الشرعية المحلية حول تقنين القضاء وتحوله عن الطريقة التقليدية، لتنتهي حال الجدل والشد والجذب بين مؤيدي ومعارضي الشكل الجديد للقضاء عند التغييرات الوزارية في مطلع 2009، ومعها حصلت المناصب العدلية والقضائية على الحصة الأكبر في دوران الكراسي، لتحل الأسماء الجديدة بمناصبها التنفيذية الجديدة. وجاءت إشكالية العجز في الموارد البشرية لتمثل عائقاً أكبر في تنفيذ المشروع العدلي، ففي عام 2006 أظهرت إحصاءات وزارة الخدمة المدنية أن عدد القضاة في السعودية لم يتجاوز 918 قاضياً في الأجهزة القضائية السعودية في عام 2002، وأن العدد ارتفع في عام 2006 إلى أكثر من 1800 قاضٍ، بمعدل 4 قضاة لكل 100 ألف مواطن، في الوقت الذي تضع المعدلات الدولية 22 قاضٍ لكل 100 ألف مواطن. وفي عام 2009 وحده، بقي الواقع غامضاً بين النفي الرسمي والجازم للنقص في عدد القضاة في مرافقها على رغم إقرارها بوجود عجز في كتابات العدل ووجود شواغر قضائية تتجاوز 2000 وظيفة قضائية منها 500 ملازم قضائي، وفي الجانب المقابل، تصريحات متفاوتة من داخل المنظومة العدلية تؤكد العكس، لم يكن آخرها إبداء رئيس ديوان المظالم الشيخ ابراهيم الحقيل في العام ذاته تذمره من النقص في عدد القضاة العاملين في دوائر ديوان المظالم، إذ لا يتجاوز عددهم 350 قاضياً، بمعدل قاضٍ واحد لكل 150 قضية.ولم يمر مخاض «مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء» سهلاً على الجهات القضائية في السعودية، وسط انتقادات لتأهيل القضاة وتدريبهم، خصوصاً في ظل ارتفاع وتيرة الأصوات المطالبة بالنظر في إنتاجية القضاة وطريقة تعاملهم عند النظر في القضايا، إضافة إلى انتقاداتٍ لطريقة اختيار العاملين في السلك القضائي في السعودية، لتطال تبعات التأخر الطويل في عملية إصلاح مرفق القضاء وتطويره مبان المحاكم وكتابات العدل المتقادمة. وظهرت النتيجة الأولى للوضع المأزوم داخل المرافق القضائية في السعودية بعد الأحداث الأخيرة لسيول مدينة جدة نهاية عام 2009، ومعها أبانت التحقيقات عن تورط عدد من كتّاب العدل في عدد من قضايا الفساد الإداري والمالي، وإحالتهم إلى لجان التحقيق. التحديات الكبيرة أمام مشروع تطوير المرافق القضائية في السعودية لم تمنع القائمين عليه من المضي قدماً من أجل تحويله من الرؤية الملكية إلى الواقع التنفيذي، ومنذ منتصف عام 2008 بدأت التحركات الفعلية نحو تأسيس الإطار النظري للعمل المستقبلي للأنظمة القضائية في السعودية بالإعلان عن إطلاق مشروع «عدل»، والذي يضطلع برسم الخطة الاستراتيجية طويلة المدى لتطوير مرافق القضاء والتوثيق بالتعاون مع مركز الدراسات والتخطيط الاستراتيجي في معهد البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وأُعلن رسمياً تدشين المشروع الاستراتيجي في كانون الثاني (يناير) 2009، ولتزداد وتيرة العمل مع التغييرات الوزارية في العام نفسه.