حُكم جديد بالبراءة من تهمة «خدش الحياء» حصلت عليه شهرزاد «ألف ليلة وليلة» وأبطال حكاياتها، لتنجو مجدداً من مقصلة الملك شهريار ومن «سيف» المصادرة. فقد أصدر النائب العام المصري المستشار عبدالمجيد محمود أمس قراراً بحفظ التحقيق في بلاغ كانت تقدمت به مجموعة «محامون بلا حدود» قبل نحو شهر يطالب بمصادرة طبعة جديدة من الكتاب الأشهر في تاريخ الأدب الشعبي العربي صدرت في مجلدين ضمن سلسلة «الذخائر» التي تصدرها «الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة» ونفدت بسرعة البرق. وإضافة إلى تهمة «خدش الحياء بعبارات جنسية صريحة»، تضَمن بلاغ هؤلاء المحامين قائمة أخرى من التهم تنبئ عن تشدد ديني واضح، كما تضمن المطالبة بمحاكمة كل من رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة أحمد مجاهد ورئيس تحرير سلسلة «الذخائر» الروائي جمال الغيطاني بتهمة إهدار المال العام. وجاء قرار النائب العام المصري ليؤكد أن النيابة قررت حفظ التحقيق في البلاغ برمته «لعدم توافر أركان جرائم استغلال الدين في الترويج للأفكار المتطرفة وازدراء الأديان السماوية وإثارة الفتن، وكذا نشر وعرض مطبوعات خادشة للحياء العام»، في محتوى حكايات «ألف ليلة وليلة» التي يرجع تاريخ أقدم مخطوط لها إلى ما يزيد عن ألف عام. والطريف أن مقدمي البلاغ عرضوا سحبه في مقابل حذف قائمة بالعبارات التي رأوا أنها «تخدش الحياء»، إلا أن رئيس «الهيئة العامة لقصور الثقافة»، وهي إحدى أكبر الهيئات التابعة لوزارة الثقافة المصرية، رفض استجابة طلبهم وأعاد طبع المجلدين لينفدا مجددا من السوق في زمن قياسي. وأعادت هذه الأزمة إلى الأذهان ما حدث في منتصف ثمانينات القرن الماضي عندما تلقت «شرطة الآداب» بلاغاً يطالب بحرق كتاب «ألف ليلة وليلة» الذي طبع للمرة الأولى في مصر في عشرينات القرن التاسع عشر وصدر حكم ابتدائي يؤيد هذا المطلب، ثم سرعان ما ألغته محكمة استئناف بحكم تاريخي في أوائل العام 1986. وربما كان هذا الحكم وراء شعور كثير من المثقفين المصريين بأن الأمر هذه المرة لن يصل إلى المحكمة لتفصل في بلاغ مجموعة «محامون بلا حدود»، وأن هذا البلاغ سيُحفظ غالباً. وفي تعقيب له على قرار النائب العام المصري قال الأمين العام السابق للمجلس الأعلى المصري للثقافة، مدير المركز القومي للترجمة الدكتور جابر عصفور :»هذا ما كنا نتوقعه خصوصاً وأن المستشار عبد المجيد محمود معروف بالنزاهة واحترام القانون». وأضاف عصفور في تصريح الى «الحياة»: «هذا القرار خطوة إيجابية في صالح حرية الرأي والتعبير، وهو في الوقت نفسه رد على هؤلاء الذين يريدون أن يحجروا حتى على التراث باسم الأخلاق والدين الذي هو برئ منهم». وجاء في حيثيات قرار النائب العام المصري أن «ألف ليلة وليلة» «صدر قبل نحو قرنين من الزمان وأعيدت طباعته مرارا، وظل يتداول ولم تعترض الرقابة على المطبوعات عليه باعتباره من كتب التراث ويبعد كل البعد عن فكرة انتهاك حرمة الأخلاق ومظنة إثارة الشهوات، بل انه ينبىء عن طرائق قدماء الأدباء في التأليف والنظم الأدبية، كما انه لم يكتب أو يطبع بغرض خدش الحياء». وأشارت الحيثيات التي دبجتها النيابة العامة إلى أن «هذا الكتاب خليق بأن يكون موضوعا صالحاً للبحث المنتج والدرس الخصب لكونه من قبيل الأدب الشعبي ومكوناً أصيلا من مكونات الثقافة العامة، وانه كان مصدراً للعديد من الأعمال الفنية الرائعة، واستقى منه أدباء كبار روائعهم». وأكدت النيابة أن الأسباب التي استندت إليها في حفظ التحقيق سبق أن تناولتها المحكمة المختصة في القضية التي عرضت عليها ضد القائمين على طباعة هذا الكتاب ونشره في تلك الفترة، وقُضي فيها بحكم نهائي بالبراءة، مشددة على أن البلاغ الحالي لم يأت بجديد ينال من هذا.