يهدد تمسك كلّ من موسكو والغرب بمواقفه في المواجهة المستمرة بعد ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، بإمتداد الأزمة إلى الجمهوريات السوفياتية السابقة وتجاوزها. وتبرز سيناريوهات مختلفة لما قد تحدثه الأزمة الأوكرانية من تغيرات في المواقف والسياسات في مختلف أنحاء العالم، في ما يأتي عشرة منها: 1- تراجع روسي: تراجع دور روسيا في الشؤون الدولية بصفة موقتة على الأقل. إذ استبعدت موسكو فعلياً من مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى، وجمدّت مساعيها للإنضمام إلى "منظمة التنمية والتعاون الإقتصادي" و"وكالة الطاقة الدولية، وألغيت لقاءات القمة الغربية مع موسكو حتى إشعار آخر. كذلك تعثرت محاولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإستخدام مجموعة "البريكس" للدول الناشئة، للتخفيف من حدة العزلة التي فرضها الغرب، بسبب قلق الصين والهند إزاء مشكلة ضم القرم. 2- تنشيط حلف شمال الأطلسي: من المقرر زيادة الدوريات الجوية لحلف "ناتو" ومناوراته العسكرية في بولندا ودول البلطيق. كما أن وارسو تريد الإسراع في نشر أنظمة الدفاع الصاروخي في وسط أوروبا. وفي ظل الضغط الأميركي، ستعيد بعض الدول الاوروبية النظر في شأن إنفاقاتها الدفاعية المتدنية. وستزيد السويد وفنلندا المحايدتان جهودهما الأمنية وستعززان تعاونهما مع الحلف الاطلسي تخوفاً من خطر روسي محتمل. 3- تنويع مصادر الطاقة: يعاد رسم خريطة الطاقة في أوروبا لخفض الإعتماد على النفط والغاز الروسيين. ومن المقرر أن تبني دول الإتحاد الاوروبي المزيد من محطات إستقبال الغاز الطبيعي المسال، وتطور شبكات الأنابيب، وتزيد إمدادات الغاز من الجنوب عن طريق جورجيا وتركيا إلى جنوب أوروبا ووسطها. علماً أنّ الإتحاد الأوروبي يحصل على ثلث إحتياجاته من النفط والغاز من روسيا، ويمر 40 في المئة من الغاز الروسي عبر أوكرانيا. وربما تتطلع أوروبا الآن للإستفادة من إحتياطيات الغاز الصخري والتوسع في توليد الكهرباء من الطاقة النووية. 4- العامل الصيني: قد يتغير التحالف الديبلوماسي بين روسياوالصين اللتين تصوتان معاً غالباً في مجلس الأمن. وقد يحدث تقارب جديد بين البلدين عن طريق شراكة أقوى في مجال الطاقة ومد خطوط أنابيب جديدة لضخ النفط والغاز من روسيا إلى بكين، إذا رفضت أوروبا قبول الامدادات الروسية. وقد تفتر العلاقات بين البلدين إذا نأت الصين بنفسها عن تصرفات بوتين، ورأت فوائد أقل في توثيق العلاقات مع موسكو. 5- القيادة الأميركية: إستعادت واشنطن بعضاً من دورها القيادي على المستوى العالمي، بعدما ضعف نتيجة ظهور قوى ناشئة، وبفعل سياسة الانكفاء على الداخل التي انتهجها الرئيس باراك أوباما. ودفعت الأحداث إلى إستعادة الولاياتالمتحدة لدورها التقليدي ك"زعيمة للعالم الحر"، على رغم قرار أوباما الإنسحاب من الحرب في العراق وأفغانستان والتحول الإستراتيجي نحو آسيا. وطغت الأزمة الاوكرانية على الغضب الأوروبي بسبب التجسس الأميركي على الإتصالات العالمية، وفرضت ضرورة التعاون. وفي بروكسيل، ناشد الاوروبيون أوباما الأسبوع الماضي بيع الغاز الصخري لأوروبا، وإتفق الجانبان على الإسراع في محادثات لإبرام إتفاق للإستثمار والتجارة الحرة بين طرفي المحيط الأطلسي. 6- القيادة الألمانية: عززت المشكلة الأوكرانية الدور القيادي لبرلين في أوروبا. فألمانيا هي القوة الإقتصادية المسيطرة، وتملك القدرة على إتخاذ قرارات حاسمة في أزمة منطقة اليورو. والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل هي المحاور الأوروبي الرئيسي مع بوتين. وسيكون إستعداد ألمانيا لتقليص اعتمادها على روسيا في موارد الطاقة المعيار الرئيسي لمدى إستعداد بقية أوروبا للوقوف في وجه موسكو. كما أنّ مركل هي التي تدير العلاقات مع يوليا تيموشينكو التي قد يسبب ترشحها للرئاسة مزيداً من التوترات في أوكرانيا. 7- توحد أوروبا: تعززت الوحدة بين أعضاء الإتحاد الأوروبي في الوقت الراهن بفعل عودة الخطر الخارجي، وقد يساعد ذلك في التغلب على بعض النزاعات القديمة بين قادة الإتحاد الأوروبي. ويتوقع ديبلوماسيون أوروبيون أن تسرع بولندا سعيها للإنضمام إلى اليورو الاوروبي من أجل الإحتماء بالنواة الداخلية لأوروبا مثلما فعلت دول البلطيق. وبالتالي سيعجل دخول بولندا نادي اليورو إنتشار العملة الموحدة لكل دول الإتحاد الأوروبي بما في ذلك الدنمارك، على رغم أنّ السويد وبريطانيا ستحتفظان على الأرجح بعملتيهما. 8- التنافس على آسيا الوسطى: يسعى بوتين من جهة، والغرب من جهة أخرى، الى التقرّب من أنظمة الحكم الديكتاتورية في آسيا الوسطى في أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان، والتغاضي عن سجلات حقوق الانسان فيها. وإذا ضعفت روسيا إقتصادياً، فإنّ هذه الدول ستريد الإبقاء على حضورها في المعسكر الغربي. 9- التعاون الأميركي الروسي: سيستمر التعاون بين البلدين في القضايا الأمنية العالمية لأن موسكو لها مصلحة في ذلك تجنباً لعزلة أكبر. لكن التوترات محتملة بسبب قضايا سورية وإيران وأفغانستان وكوريا الشمالية، ويمكن أن تضغط روسيا عبر التعاقد لتزويد دمشق أو طهران بنظام الدفاع الجوي الصاروخي "إس 300". 10- مستقبل بوتين: الزعيم الروسي قريب الآن من ذروة التأييد الشعبي له بسبب موجة المشاعر الوطنية التي تصاعدت مع أزمة شبه جزيرة القرم. لكن عدم الإستقرار قد يتزايد إذا تعرض بوتين لضغوط من كبار رجال الأعمال الغاضبين من فقدان قيمة أنشطتهم، وفقدان إستثمارات أجنبية في روسيا، ومواجهة قيود على السفر، وتجميد أصولهم في الغرب. ومع ان معظمهم موالون بنسبة 150 في المئة في الوقت الراهن، لكن الأمور قد تتغير في غضون ستة أشهر.