القانون مفردة دولية لا نزال نقرؤها بريبة ونتعامل معها كمفردة قادمة من الغرب. بين الشريعة والقانون صراع لا نراه إلا هنا، إذ إن خصوصيتنا تجعلنا في وجس من المفردات والمصطلحات. الدكتور عائض البقمي متخصص في القانون يرى من خلال تجربته كيف هو الصراع بين الطرفين وكيف أن تفرد فريقاً بالتشريع والتقنين يجعل أموراً كثيرة تتعطل وتتأخر في اللحاق بركب التنمية. ويُلفت النظر إلى حق أهل المذهب والطوائف في البلاد بالمشاركة في المنظومة القضائية. ويدعو الدكتور عائض في حواه مع «الحياة» إلى تربية النشء منذ الصغر على معرفة حقوقه وواجباته والحفاظ على هوية الوطن وتفاعلاته مع المتغيرات الدولية... فإلى تفاصيل الحوار: ما أجمل قانون تعلمته في طفولتك بمدينة بيشة؟ - قانون براءة الطفولة وهو القانون الذي لا يضع على الطفل مسؤوليات وواجبات تتنافي مع طفولته. القانون الذي لا يجرّم تصرفاتك طفلاً، وينظر إليها على أساس أنها صادرة من دون توافر القصد الجنائي، ويخلي مسؤوليتك طفلاً عن نقد المجتمع لك جراء ذلك التصرف الذي قمت به. في مرحلة المراهقة... ما القانون الذي كبح جماحك؟ - قانون العادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهو القانون الأسمى الذي تراقب بموجبه جميع تصرفاتك، وتحاول ألا تتعارض تلك التصرفات والأقوال مع ذلك القانون، حتى وإن كنت لا تؤمن في قرارة نفسك بصحة بعض فصوله. هل أسهمت نشأتك في اتجاهك نحو فلك القانون؟ - لم يكن للنشأة دور كبير في تحديد توجهاتي وميولي للقانون، فعلى رغم أنني نشأت في أسرة ليس لأحد منهم علاقة بدراسة القانون إلا أن حبي الفطري للنظام، والتفكر دائماً في الكون الذي خلقه الله وصرف أموره بقانون في غاية الدقة، يجعل الشخص يحلم بالعيش في مدينة أفلاطون الفاضلة. يرى البعض أن القانون - مفردةً وقيمةً - هو أمر طارئ وجديد على ثقافتنا المحلية، فالثقافة القانونية غائبة تماماً عن نسيجنا الثقافي المحلي... ما رأيك؟ - اتفق معك تماماً في أنه إلى عهد قريب كان يتم تحجيم القانون عن قصد أو من دون قصد في مجتمعنا والذي ترتب عليه غياب الثقافة القانونية ومجتمع القانون، فما زلت أتذكر أنه عندما بدأت دراستي للقانون في الجامعة كان الكثير من أقاربي وأفراد مجتمعي يستهجنون اختياري لتخصص القانون لدراسته على رغم أني تخرجت من الثانوية العامة بتفوق وكان أمامي مجال لاختيار تخصص آخر، وقد يكون سبب تحجيم دراسة القانون لتحسس الكثير من أفراد مجتمعنا من مفردة حقوق أو قانون وكأننا سنتحاكم إلى الطاغوت! وهو ما أدى إلى جعل الثقافة القانونية غائبة لدى الكثير من أفراد المجتمع، إلا أن بوادر خير بدأت تظهر في المجتمع في الاستماع إلى أصحاب وجهة النظر الأخرى الذين تم تحجيمهم لسنون طويلة، وظهرت الحاجة كبيرة إلى فكرة قانون أو نظام كما يسميه البعض، وظهرت الحاجة ماسة إلى المستشار القانوني المتخصص والمحامي دارس القانون الذي كان لا يرضى بوجوده في مجتمعنا الكثير من أصحاب الرأي الواحد. خريجو الشريعة خريجو أقسام الشريعة... هل سيكون لهم إلمام بالقانون وتنوعاته، كما يجب؟ - أقسام الشريعة وُجِدت لتخريج أشخاص على علم وإلمام بعلم أصيل وأساسي وهو علم الشريعة، إلا أن الذي يبدو لي أنه قد تم إقحام خريجيه في الكثير من العلوم والتخصصات التي لا يلم خريجو أقسام الشريعة بها كامل الإلمام. نعم أتفق في أن خريج الشريعة قد يكون مؤهلاً للعمل في السلك القضائي متى تم تأهيله التأهيل الكافي للعمل في هذا المجال، واللحاق بالدورات التي تؤهله للعمل في القضاء، أتفق أنه قد يعمل كذلك في الوظائف التي تتطلب تخصصه معلماً في العلوم الشرعية، أو خطيباً أو إماماً. ولكن ما تلاحظه في مجتمعنا هو إقحام خريجي الشريعة في كثير من الوظائف، حتى إنك لا تستغرب عندما تجده يعمل محامياً، ومحققاً، وباحثاً قانونياً، ومستشاراً نفسياً، ومفسر أحلام ، والكثير من الوظائف الأخرى التي تم إقحامهم فيها على حساب أصحاب تخصصات أخرى هم أكثر دراية ومعرفة في تلك الوظائف بحكم التخصص. أنا هنا لا أقف ضد خريجي أقسام الشريعة. ولكن أنطلق من مبدأ التخصص، والتخصص وحده هو القادر على النهوض بالكثير من الوظائف والممارسات التي مارسها من ليس من أهلها. إنك عندما تنظر بموضوعية وحيادية إلى سبب فوضانا فإن سببها الأساسي هو إقحام مخرجات الجامعات بتخصصاتها المختلفة في وظائف لا يمتّون لها بصلة، فترتب على ذلك التخبط الذي يعيشه مجتمعنا في كثير من شؤونه. خذ على سبيل المثال تنظيم القضاء ومدى ما يعانيه من مشكلات تنظيمية أدت إلى تأخر البت في قضايا كثيرة. إنك عندما تنظر إلى المجتمعات المتحضرة تجد أن سبب تطورها وتقدمها هو الربط القوي بين مخرجات التعليم والوظيفة. إنك عندما تنظر لتلك المجتمعات تجد أنها قد ربطت طالب كلية القانون منذ أيام دراسته الأولى في كلية الحقوق بالمحكمة ومكتب المحاماة والنيابة العامة، وكل تخصص بالبيئة التي سينتمي إليها بعد تخرجه. كليات الشريعة والقانون لدينا... هل هي مؤهلة لتخريج مخرجات قادرة على تنمية البيئة القانونية والعدلية عندنا؟ - إذا أردت الإجابة بكل شفافية، فإنها لا تعتبر في نظري مؤهلة التأهيل الكامل لقيادة تنمية البيئة القانونية والعدلية في وطننا. فكليات الشريعة يخفى عليها تدريس الكثير من المواضيع القانونية التي يجب على طالب الشريعة معرفتها المعرفة الكاملة، وكذلك الوضع الراهن بالنسبة إلى كليات القانون أو الأنظمة فطالب القانون يخفى عليه جوانب شرعية مهمة تجب عليه معرفتها قبل تخرجه من الكلية هذه من ناحية. أما من ناحية أخرى فإن الأمر يزداد سوءً أن طلاب كليات الشريعة وكليات القانون يتخرجون وهم لا يعرفون الطريق إلى المحكمة أو مكتب المحامي، أو الهيئات القضائية والجهات الأخرى ذات العلاقة. فقبل أن تعطي ابنك الشبَكة لصيد السمك يجب أن تعلمه أين يقع البحر، وكيف يصيد، وما مخاطر الصيد. ما أنادي به في هذا الموضوع هو الربط بين الجانب النظري الذي يتم تدريسه في كليات الشريعة والأنظمة وبين الواقع العملي الملموس، لماذا لا نتعلم من تجارب الدول الأخرى في طريقة تدريس طلاب الحقوق والشريعة؟ لماذا ما يتم تدريسه في تلك الكليات بعيداً جداً عن الواقع المعمول به في الوقت الحاضر؟ لماذا لا يكون هناك ربط بين كلتا الكليتين تحت مسمى واحد (كلية الشريعة والقانون) وهذا المقترح ليس جديداً وإنما معمول به في كثير من البلدان العربية. أم أن الوضع الراهن في بلدنا يعكس مدى التباعد الفكري والأيديولوجي، وعدم تقبل الرأي الآخر بين القائمين على تلك الكليات. لا بد من تصحيح ذلك الوضع للنهوض بمصلحة الوطن في تطوير البيئة القانونية في وطننا. لماذا تخريج القضاة حكر على كليات الشريعة فقط؟ - إذا نظرنا إلى النظام الأساسي للحكم فسوف نجد أن مادته (7) تنص على أن دستور دولتنا هو القرآن والسنة وأنظمة الدولة التي دائماً لا تتعارض معهما. إلا أن ما ورد في مواد التنظيم القضائي الجديد، وانفراد خريجي كليات الشريعة فقط بتسيير دفة العمل القضائي، يجعلنا نعتقد أن التجاهل المتعمد لخريجي القانون للمشاركة في تولي مناصب القضاء من الفئة الأخرى، والتي كان لها تأثير كبير في وضع مواد هذا النظام لا يخرج من أحد أمرين: الأول هو إما أن يكون القائمون على تسيير سلك القضاء، وهم رجال الشريعة ما زالوا يعتقدون - على رغم التطور السريع الذي تشهده المملكة وانضمامها للكثير من الاتفاقات الدولية - بأن دراسة القانون في السعودية لا فائدة منه، وأنه أمر خارج على الدين الإسلامي ويعارضه، وهم بذلك يخالفون ما نصت عليه المادة (7) من النظام الأساسي للحكم، أو - وهو الأمر الثاني - أن الشرعيين يريدون فقط الاستئثار وحدهم بوظائف السلك القضائي على حساب قلة القضاة وعدم التأهيل الجيد، ولا سيما في القضايا التجارية والعمالية، على رغم أنهم (الشرعيين) قد شاركوا آخرين في شغل وظائف أخرى لا يمتّون إليها بصلة بحكم التخصص. ونتيجة لهذا الاستئثار بوظائف السلك القضائي وحدهم، فإنهم قد أسهموا بشكل متعمد في تراكم القضايا والتأخر في البت في القضايا الموجودة بالمحاكم، وهي المشكلة التي ما زالت مكان نقد من أفراد مجتمعنا، والمنظمات الدولية تجاه القضاء في السعودية، على رغم أن حلها بسيط وهو إشراك رجال القانون في الوظائف القضائية ولا سيما ما يتعلق بالمحاكم التجارية والعمالية. ما الذي جذبك إلى معهد الإدارة لتختاره لحياتك العلمية والعملية؟ - بيئة العمل والتنظيم الموجود فيه، ولا أدرى إلى متى سيستمر ذلك! لماذا الإرهاب والاختلاف مع الآخر يعطلان كل قانون؟ - الإرهاب ليس له قانون ولا تحتكره جماعة أو منظمة من دون غيرها، وآثاره تتجاوز حدود المجتمع والدولة الواحدة. الكثير يعلم ويطالع في الأخبار عن انتشار مرض ما أو تأزيم موقف معين، أو نشر شائعة معينة في مجتمع ما وغيرها. أنا أعتبر جميع تلك الأزمات هو إرهاب إذا كان الهدف من ذلك التهويل للأزمات هو تحقيق أهداف معينة لفئة معينة بشكل غير مشروع من أجل تحقيق منفعة خاصة على حساب الأبرياء الآخرين، ونتيجة لذلك أؤمن بأن الإرهاب لا يكون فقط باستخدام القنابل والمتفجرات، وإنما أيضاً يكون باستخدام النفوذ والسلطة. كثيراً ما سمعنا عن أزمات اقتصادية وصحية ربما يكون الهدف من ورائها كما ذكرنا من قبلُ هو تحقيق أهداف خاصة، وهذا لا يخرج - في نظري - عن إطار الإرهاب التقليدي. من ناحية أخرى قد يؤدي الكبت والقمع اللذين يمارسان بطريقة عشوائية على بعض الجماعات والاستماع فقط إلى رأي فئة واحدة، إلى انجراف تلك الجماعات وإن كانت مسالمة إلى استخدام الإرهاب وسيلةً للانتقام من ذلك المجتمع الذي لم يرحمه ولم يأخذ بيده، كثيراً من الجماعات مارست الإرهاب، لأنها لم تجد اليد الراعية والإذن التي تسمع لمشكلاتها وتسعى إلى حلها إلا بعد فوات الأوان. والتاريخ يشهد بالكثير من الثورات من هذا النوع، كثورة الفقراء ضد الأغنياء في بعض الدول، وثورة الضعفاء ضد الأقوياء. والثورة الفرنسية أكبر دليل على ذلك، وهنا يأتي دور القانون ومبادئ العدالة لإعادة التوازن بين تلك الفئات. كيف هي مكانة القانوني في المجتمع؟ - إذا كنتَ تسأل عن مكانته في المجتمعات الأخرى، فالجميع يعرف المكانة الكبيرة التي يحوزها في تلك المجتمعات، فالمحامي والقاضي ورجال السياسة والبرلمان والمستشار هم من رجال القانون في تلك المجتمعات، أما في مجتمعنا فعلى رغم البداية الضعيفة التي كان يحتلها في المجتمع إلا أن هناك بوادر خير كبيرة تلوح في الأفق في ظل النهضة والانفتاح الكبير التي تشهده المملكة في ظل راعي المسيرة خادم الحرمين الشريفين تحتم إعطاء رجال القانون دوراً كبيراً في المجتمع. ألا تشعر بأن البيئة القانونية عندنا تعاني من إعاقات كثيرة؟ - صحيح أنه إلى عهد قريب كان الكثير من القضاة في المحاكم قبل صدور نظام المحاماة لا يسمح للمحامي بالترافع عن موكلة بل كان هناك من القضاة من لا يرضى بوجود المحامي في مجلسه، إلا أن الوضع تغير في الوقت الراهن، على رغم أنه ما زال ينقص المجتمع أهمية توعيته بدور القانوني والمحامي في المجتمع، والطريقة المثلى للتواصل مع الأفضل في هذا المجال. ليس الجميع يعرف حقوقه وواجباته ومن ثم فإن القانوني هو الوحيد الذي يستطيع تنوير أفراد مجتمعه بتلك الحقوق والواجبات. قضايا الرأي العام قضايا الرأي العام.. هل نتعامل معها قانونياً، كما يجب؟ - مشكلة المجتمعات الشرقية بشكل عام والمجتمع السعودي بشكل خاص أن أفراد مجتمعاتها تتعامل مع قضايا الرأي العام أو الشأن العام بناءً على عواطفها وأحاسيسها، وما يكنونه من عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان. كثيراً من أفراد المجتمع يطلقون الأحكام على بعض المواقف وعلى بعض الأشخاص بناءً على ما يختزن في عقولهم من تقاليد وعادات وما يتأثرون به عن تلك المنظمات والأشخاص التي تحاول توجيههم بحسب رغبات تلك الأشخاص والمنظمات. إن الواقع يتطلب منا دائماً تقويم الشيء والتعامل به بموضوعية وتجرد، بعيداً عن التأثر بحكم الآخرين عليه. وهذا ما تتطلبه دائماً قواعد العدالة. خذ على سبيل المثال الكثير من القضايا التي حكمنا عليها وحكم عليها جميع أفراد المجتمع في البداية بناءً على عواطفنا، والخوف من أننا في حرب دائمة مع الآخرين ومثال ذلك بداية دخول الإنترنت، وجوال الكاميرا، والستالايت والكثير من الأمور، ثم ما لبثنا أن تقبلناه وصارت جزءاً من حاجاتنا اليومية، هناك الكثير من الأفراد من أطلق الأحكام المحرمة في استخدامه عند بداية دخوله إلى المجتمع، ثم ما لبث حتى صار ذلك الشيء جزءاً من حياتهم. وهناك الكثير من المستجدات والقضايا الحاضرة في الشارع السعودي التي ما زالت حديث الشارع السعودي وتلقى نبذاً من أفراده، وسيأتي اليوم التي ستعتبر تلك القضايا جزءاً من المسلّمات لدينا. مشكلتنا أننا بدلاً من النظر بموضوعية وتجرد من خلفياتنا الثقافية للقضية الحاضرة، ومحاولة درس كيفية خلق بيئة جيدة لتلك القضية، والاستعداد لها، وتحذير المجتمع من جوانبها السلبية، نقوم بنبذ ذلك الشيء الدخيل في بداية الأمر جملة وتفصيلاً وإصدار الفتاوى في ذلك ثم ما نلبث حتى نستسلم له ونأخذه كاملاًه من دون معرفة مواطن الخطر في ذلك الشيء، وتحذير أفراد المجتمع من تلك المواطن. مؤهلات القضاة... هل هي كافية لتولي المنصب؟ أليس هناك نية للتطوير بتجديد التصاريح لهم كما يحدث مع الأطباء مثلاً؟ - الأصل أنه لا يوجد أحد فوق النظام، والقاضي في الأول والأخير موظف يتقاضى راتبه من الدولة، القضاة لا يعتبرون ملائكة، وليسوا منزهين عن الخطأ، والنقد من أهم الأساليب لتقويم الأداء لأي موظف وجهاز حكومي، إلى عهد قريب كان لا يُسمح بنقد القاضي حتى في الأمور الذي يخالف فيها القاضي أنظمة وتعاليم الدولة. إلا أن النقد الداخلي والخارجي الذي وجه للقضاء في الآونة الأخيرة كان له الأثر في تقويم ذلك الجهاز، والاتجاه به نحو الأفضل. هناك الآن فرق - وإن كان ما زال ضعيفاً - بين أن تزور محكمة قبل عشر سنوات وبين زياراتها في الوقت الراهن. لا شك في أن استخدام وسيلة التصاريح لوظائف القضاء أو وسيلة أخرى لتقويم عمل القضاة سيكون له دور في النهوض بالسلك القضائي، ودفع القضاة لتطوير الذات وتنظيم بيئة العمل التي تحيط به. لا شك انه يوجد حالياً أنظمة وآليات لدى القائمين على تنظيم القضاء مثل التقويم المستمر للقضاة، إلا أن المشكلة هي هل بالفعل يتم التقويم للقضاة بموضوعية وتجرد؟ نظام القضاة ما المفقود في نظام القضاء والبيئة القانونية عندنا؟ - الذي أجده في ذهني الآن حاضراً هو أن الكثير من الأفراد سواء من داخل المجتمع أم خارجه يفتقدون القدرة على كيفية الوصول إلى المحامي الجيد المبدع في وظيفته، لقد كان لي نقاش مع بعض المستثمرين الأجانب ورجال الأعمال وكذلك محامين من دول أخرى، يدعون أنه يصعب عليهم الوصول إلى المحامي الجيد في بلدنا. لقد أصبحت مهنة المحاماة مهنة من لا مهنة له في مجتمعنا، الكثير دخلوا في المجال وادعوا معرفتهم بها على رغم عدم التخصص، ما نسمع به من تراخيص للمحاماة التي لا يطلب من أصحابها إبرازها عند الترافع في المحاكم إلا القليل من القضاة، ونتيجة لذلك واجه المستفيد مشكلة كبيرة للوصول للمحامي المتخصص. الكثير من الدول مثل أميركا تضع الكثير من الامتحانات وطلب خبرات تتطلب الوقت الطويل والجهد الكبير، للحصول على ترخيص لممارسة مهنة المحاماة، ونحن تركنا الباب مفتوحاً حتى أصبحت مكاتب المحاماة تنافس في كثرتها البقالات! تجد أيضاً الكثير من أصحاب تلك المكاتب لا يفقهون شيئاً في علم القانون وإجراءات القضاء. وبالتالي أثرت تلك السلبيات في صدقية والنهوض بمهنة المحاماة. نحن نحتاج إلى جهة متخصصة يكون دورها إخضاع الشخص الذي يريد ممارسة المحاماة إلى الكثير من الامتحانات المتخصصة، وإلى دورات تخصصية قبل منح ترخيص لمزاولة مهنة المحاماة. نحن نحتاج إلى إرغام المحامي إلى إبراز ترخيص المحاماة أمام القاضي قبل الترافع في القضية. الخصوصية في مجتمعنا تكبل حتى نظامنا القضائي... لماذا؟ - لقد أدت تلك الخصوصية التي ندعيها في تفرد مجتمعنا بها من دون غيرها من المجتمعات ولا أدري ما هذه الخصوصية إلى عدم السماح بنقد عمل القاضي أو السلك القضائي، إننا عندما ننتقد عمل القاضي فإننا سننهض بسلك القضاء وندعم حرص القاضي على القيام بعمله على الوجه الأمثل حتى لا يكون عرضة للنقد. إن غياب النقد أدى في مرحلة من المراحل إلى الضبابية والتأخر في تطوير القضاء. إن غياب النقد الصحي أدى إلى تخلف أداء الكثير من أجهزتنا الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص. تقنين الأحكام والقضاء... لماذا يجدها البعض مساساً بالثوابت الكلية في الشريعة؟ - العبارة الصحيحة هو أن ذلك سيؤدي إلى المساس بتقييد حرياتهم وتقييد أحكامهم بالرجوع للنظر في أحكام سابقة لا يوجد لديهم وقت للنظر إليها. تتشابه القضايا وتختلف الأحكام... هنا من الضحية؟ - أنا وأنت. المبادئ الحقوقية أصبحت ذات صبغة عالمية لا يمكن أن تعارض بفتوى من شيخ مهما كان حجمه ومكانته... ما رأيك؟ - أنت هنا تتكلم عن مجتمعات غير مجتمعنا (إشكالات التطبيق والتفسير) أهناك آلية للخروج منها؟ - نعم، بتدريس علم المنطق في مناهجنا التعليمية! فلقد يئست عقولنا الحفظ المجرد من التحليل العقلاني. قضايا التحكيم التجاري... هل تمنحنا بيئة استثمارية آمنة؟ - ما زلنا في مرحلة المخاض في مجال التحكيم التجاري، وهذا بشهادة خبراء تحكيم لا يجاملون. بما أنك متابع... ما ملاحظاتك على الإدارات القانونية في المؤسسات الحكومية؟ - تفتقر إلى القانوني المتخصص. تنظيم الإعلام الإلكتروني... أليس فيه تكبيل للحريات التي يكفلها الإنترنت؟ - فيه حماية لتلك الحريات بما لا يتعارض مع المساس بحريات الغير والتعدي على خصوصياتهم. لماذا نحاصر كل رأي أو فكرة من خلال قميص القانون؟ - لأن القانون هو العصا التي نعاقب بها فقط من نريد أن نعاقبه. هل يلزمنا إيجاد تشريع وقانون لكل تفاصيل ومستجدات الحياة؟ - نحتاج إلى أن يضع كل واحد منا لنفسه قانوناً أخلاقياً في تعامله مع الآخر! وبالتالي لن نحتاج إلى الكثير من قوانيننا. كثرت الإيقافات أخيراً لمذيعين ومدونين، وإيقاف بعض الكتاب والصحافيين عن الكتابة... كيف التعاطي مع هذا الشأن؟ - أرى أنها بدأت تأخذ أبعاداً مهمة لم تكن موجودة في السابق. لك رأي حول قرب زوال نظام القبيلة... ألا تشعر أنه يبتعد عن العقلانية قليلاً؟ - لا أحد يقول بزوال نظام القبيلة، ولكن ألا تعتقد بأن التزامات الفرد تجاه القبيلة وحاجة الفرد إليها في الوقت الحاضر أصبحتا أقل عن حاجته إليها قبل 50 عاماً. العرف والعادات حتى متى وهي مؤسسات قانونية نافذة؟ - إلى أن تنتشر المدنية الحقة في المجتمع. شبابنا... لماذا حقوقهم مغيبة ودائماً هم في دائرة الاتهام؟ - هي الفئة المظلومة بالفعل التي لم تجد أنصاراً أو جمعيات للدفاع عن حقوقهم على رغم أنهم يمثلون ثلثي أفراد مجتمعنا. الليبرالية والإسلامية... من منهما يقنن حراك كل تيار عندنا؟ - كلتاهما تنظر للأخرى نظرة الشخص السلبية للكأس نصف الممتلئ على رغم أن هناك الكثير من أركان الوفاق بينهما.