شدّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، خلال زيارته أمس البرلمان المصري، على أن معالجة قضايا أمتنا تتطلب وحدة الصف، وضرورة توحد الرؤى والمواقف لمكافحة التطرف والإرهاب، وكذلك المضي في طريق إنشاء القوة العربية المشتركة، ونبه إلى أن أمام المملكة العربية السعودية ومصر «فرصة تاريخية لتحقيق قفزات اقتصادية»، مشيراً إلى أن جسر الملك سلمان الذي أعلن تنفيذه «سيربط بين قارتي آسيا وأفريقيا، وسيساهم في رفع التبادل التجاري بين القارات»، وأعلن عن «إنشاء منطقة تجارة حرة في شمال سيناء». وكان نواب الشعب المصري استقبلوا العاهل السعودي بحفاوة غير مسبوقة، كأول زعيم عربي يزور البرلمان المصري ويلقي كلمة. ووصل الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مقر البرلمان ظهر أمس، حيث كان في استقباله والوفد المرافق له، رئيس مجلس النواب علي عبدالعال الذي اصطحبه إلى داخل القاعة الرئيسية ليُقَابل الملك سلمان بعاصفة من التصفيق من قبل النواب الذين رفع بعضهم أعلام السعودية وهتفوا بعبارات الترحيب وتحية العاهل السعودي. وألقى خادم الحرمين الشريفين كلمة أمام البرلمان، قال فيها إنه «لمن دواعي سروري أن أكون معكم في هذا اليوم الذي أسعد فيه بلقائكم في مجلسكم الموقر... إن مجلس النواب المصري وعلى مدى سنوات طوال أسهم في تشكيل تاريخ مصر ووجهها الحضاري الحديث في مختلف جوانبه... وأود التأكيد على الدور المؤثر لمجلسكم في تعزيز العلاقات التاريخية بين بلدينا الشقيقين». وأوضح الملك سلمان أن «القناعة الراسخة لدى الشعبين السعودي والمصري، بأن بلدينا شقيقان مترابطان، هي المرتكز الأساس لعلاقاتنا على كافة المستويات... وقد أسهم أبناء مصر الشقيقة منذ عقود طويلة في مشاركتنا بالعمل والتنمية والبناء، ولا يزال بلدهم الثاني المملكة العربية السعودية يسعد باستضافتهم». وشدّد على أن معالجة قضايا أمتنا، وفي مقدمها القضية الفلسطينية «تتطلب منا جميعاً وحدة الصف وجمع الكلمة، ويعد التعاون السعودي - المصري الوثيق الذي نشهده اليوم، انطلاقة مباركة لعالمنا العربي والإسلامي لتحقيق توازن بعد سنوات من الاختلال، وانتهاجاً للعمل الجماعي والاستراتيجي بدلاً من التشتت. وقد أثبتت التجارب أن العمل ضمن تحالف مشترك يجعلنا أقوى، ويضمن تنسيق الجهود من خلال آليات عمل واضحة». وأضاف: «من المهم أن تتحمل السلطات التنفيذية والتشريعية في دولنا مسؤولياتها الكاملة تجاه شعوبنا ومستقبل أمتنا وأن نتعاون جميعاً من أجل تحقيق الأهداف المنشودة المشتركة التي تخدم تنمية أوطاننا». ونبه العاهل السعودي إلى أن لدى المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية «فرصة تاريخية لتحقيق قفزات اقتصادية هائلة من خلال التعاون بينهما... وقد شهدنا خلال اليومين الماضيين توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية والعقود الاستثمارية، كما اتفقنا على إنشاء جسر بري يربط بين بلدينا الشقيقين، وسيربط من خلالهما بين قارتي آسيا وأفريقيا، ليكون بوابة لأفريقيا، وسيسهم في رفع التبادل التجاري بين القارات ويدعم صادرات البلدين إلى العالم ويعزز الحركة الاقتصادية داخل مصر، فضلاً عن أن هذا الجسر يعد معبراً للمسافرين من حجاج ومعتمرين وسياح وسيتيح فرص عمل لأبناء المنطقة». وأضاف: «وقد كان من ثمرات الجسر الأولى ما تم الاتفاق عليه بالأمس للعمل على إنشاء منطقة تجارة حرة في شمال سيناء وهذا سيساعد في توفير فرص عمل وتنمية المنطقة اقتصادياً كما سيعزز الصادرات إلى دول العالم وسنصبح أقوى باستثمار الفرص التي ستنعكس بعائد ضخم على مواطنينا وعلى الأجيال القادمة». وأشار خادم الحرمين الشريفين إلى أن المهمة الأخرى التي ينبغي أن نعمل من أجلها سوياً «تتمثل في مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب الذي تؤكد الشواهد أن عالمنا العربي والإسلامي هو أكبر المتضررين منه. وقد أدركت المملكة العربية السعودية ضرورة توحيد الرؤى والمواقف لإيجاد حلول عملية لهذه الظاهرة، فتم تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب لتنسيق الجهود بما يكفل معالجة شاملة لهذه الآفة، فكرياً وإعلامياً ومالياً وعسكرياً... كما أننا نعمل سوياً للمضي قدماً لإنشاء القوة العربية المشتركة». وفي ختام زيارته، سلم رئيس البرلمان، خادم الحرمين الشريفين درع البرلمان كهدية بهذه المناسبة، ما رد عليه الملك سلمان بن عبدالعزيز بتقدم مجسم لقصر المربع التاريخي، كهدية لمجلس النواب. وكان رئيس البرلمان المصري، علي عبدالعال، ألقى كلمة رحب فيها بالزيارة التاريخية للملك سلمان «قادماً من الأرض التي وضع فيها أول بيت مبارك للناس وهدى للعالمين، إلى أرض النيل الخالد، مهد الحضارات»، مشيراً إلى أنها «المرة الأولى التي تخاطب فيها قيادة المملكة العربية السعودية الشعب المصري من تحت هذه القبة. لقد تميزت مسيرة جلالتكم بتحقيق الكثير من النجاحات للمملكة، فخلال عام واحد من تقلدكم للحكم تحقق الكثير من الإنجازات وأسست لمرحلة جديدة من الوعي والعمل العربي المشترك وفق استراتيجية جديدة سيكون لها تأثيرها الواضح على الأمة العربية والإسلامية». وأضاف: «وقفت بلادكم المباركة واستخدمت إمكانتها الاقتصادية والديبلوماسية ضد عزل مصر ومحاصرتها اقتصادياً، فمنذ توليتم الحكم فقد حرصتم على استمرار التكامل بين المملكة ومصر والاعتراف بحقها الشرعي في ردع كل عابث أو مضلل فرعيت العهد وبذلت الجهد... فكانت مصر حاضرة معكم وهي تخوض معاركها، ومعارك أمتها ضد إرهاب أسود ... إرهاب يعبث في الأرض فساداً ليهلك الحرث والنسل». وأكد أن مصر «حاضرة معكم إيماناً منكم بأنها قوة للعرب وأن العرب قوة لمصر، أشقاء لا أوصياء، فما بيننا كثير... بيننا الدم الواحد والتاريخ الواحد واللغة الواحدة والعقيدة الواحدة والمستقبل الواحد»، منوهاً بأن هناك «وعياً مشتركاً وتوافقاً كاملاً وواضحاً في الرؤى بين مصر والمملكة في جميع القضايا العربية والإقليمية. ولقد نجحتم مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، ومعكم الأشقاء في الخليج العربي، في درء خطر داهم ومؤامرة حيكت بليل للنيل من نسيج دول الخليج وتفتيت لحمتها». وقال عبدالعال: «لقد سخرت المملكة كل ما حباها الله من نعم وهبات لخدمة قضايا عالمها العربي والإسلامي ولن ينسى التاريخ لجلالتكم قيادتكم الجسورة لعاصفة الحزم لإنهاء أزمة اليمن الشقيق، وكذا استضافتكم الكريمة للفصائل السورية المعارضة ثم إعلانكم لتدشين تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب حتى أضحت الرياض قبلة للاتصالات الديبلوماسية العربية والدولية». وأشار إلى أن مصر والسعودية «عَصب الأمتين العربية والإسلامية، وتعاونهما معاً هو السبيل الأوحد لإجهاض مخططات أعداء الأمة والتعجيل بنهاية الإرهاب لتنعم أمتنا بأمن وسلام، فلنكن يداً واحدة على من عادانا، ولتكن يد الله فوق أيدينا وليبارككم الله دعوات صادقة من أبناء مصر أن يوفق الله عز وجل مسعاكم وأن يسدد على طريق الحق والنصر خطاكم». وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي استقبل مساء أول من أمس في قصر عابدين، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في ثالث أيام زيارته التاريخية إلى مصر، والتي تشهد زخماً سياسياً واقتصادياً كبيراً يعكس علاقات الإخوة والصداقة الوطيدة الممتدة بين البلدين والشعبين الصديقين. وأوضح الناطق باسم الرئاسة المصرية، السفير علاء يوسف، أن السيسي عقد لقاءً ثنائياً مع الملك سلمان، «أكد خلاله الزعيمان أهمية متابعة تنفيذ ما تم توقيعه بين البلدين من اتفاقيات ومذكرات تفاهم في العديد من مجالات التعاون الحيوية ذات الاهتمام المشترك بما يحقق مصالح البلدين والشعبين الشقيقين». وأعرب السيسي مجدداً عن ترحيب مصر على المستويين الرسمي والشعبي بالعاهل السعودي، وسعادة الشعب المصري بنتائج هذه الزيارة وما أسفرت عنه من تعزيز وتوثيق أواصر علاقات التعاون بين البلدين. وأشار السيسي إلى أن برنامج زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى مصر «يعكس اهتماماً سعودياً مُقدراً بتعزيز التعاون مع جميع المؤسسات الوطنية للدولة المصرية، وفي مقدمها مجلس النواب، فضلاً عن مؤسسة الأزهر الشريف، حيث وضع الملك سلمان بن عبدالعزيز حجر الأساس لمدينة البعوث الإسلامية الجديدة». وأوضح الناطق باسم الرئاسة المصرية أن الرئيس المصري اصطحب الملك سلمان في جولة تفقدية بقصر عابدين، تم خلالها شرح أهم معالم القصر الذي يُعد أشهر القصور المصرية وشهد الكثير من الأحداث التاريخية منذ العصر الملكي وحتى قيام ثورة تموز (يوليو) 1952. كما كان مقراً للحكم من 1872 حتى 1952. وأقام السيسي مأدبة عشاء تكريماً لخادم الحرمين الشريفين والوفد المرافق لجلالته، تلاها حفل فني شاهده الزعيمان في مسرح قصر عابدين، قبل أن يشهد الزعيمان التوقيع على عدد إضافي من الاتفاقيات التي تندرج ضمن برنامج جلالة الملك سلمان لتنمية شبه جزيرة سيناء، إضافة إلى محضر الاجتماع الوزاري للدورة الخامسة عشرة للجنة المصرية السعودية المشتركة، فضلاً عن عدد من الاتفاقيات بين القطاع الخاص في البلدين.