تسعى تونس الى تنويع المعروض السياحي من أجل استقطاب مزيد من السياح والاستجابة لميول فئات مختلفة من الزوار. وأظهرت تجربة إقامة ملاعب غولف في مناطق الشمال والجنوب أن هذا النشاط الترفيهي يحظى بإقبال لافت من السياح الأوروبيين، خصوصاً الألمان والنمسويين والإسكندنافيين. وتتميز هذه الفئة الموسرة من السياح بكون إنفاقها أعلى من السياح العاديين، ما يجعلها مطلوبة في جميع المناطق. واعتاد سياح ألمان على أن يستقلوا الطائرة لتمضية إجازة تستمر أسبوعاً في ملاعب الغولف في مدينة حمامات أو طبرقة أو جزيرة جربة أو واحة توزر. وهذا ما حفز التونسيين على إنشاء ملاعب في جميع المناطق السياحية. وأعلن وزير السياحة سليم التلاتلي أخيراً عن قرب الانطلاق في إقامة خمسة ملاعب غولف جديدة للاستجابة للإقبال المتزايد من السياح على هذا النوع من النشاط. ويولي التونسيون أهمية كبيرة لتطوير القطاع السياحي الذي حقق في السنة الماضية إيرادات زادت عن 3 ملايين دولار، ما بوأه موقعاً مركزياً بين مصادر العملة الأجنبية. مسارات سياحية بيئية وفي إطار تنمية فروع السياحة غير التقليدية، يهتم التونسيون حالياً بتطوير السياحة البيئية التي تميل إليها فئات متزايدة من الأوروبيين. ويمكن القول إن هؤلاء السياح سئموا من التردد على المنتجعات البحرية، حيث تقتصر الحياة اليومية على الاستمتاع بالشمس ورمال السواحل والمياه النظيفة في سوسة والمهدية والمنستير وجربة وطبرقة وسواها. ويُطلق على هذا الصنف من السياحة اسم «السياحة الشعبية» والتي لم تتغير منذ الستينات. وعادة ما يستقطب هذا الصنف من السياحة الفئات الأوروبية ذات الدخل المحدود، والذين يسددون تكلفة الرحلة إلى مكتب سفريات قبل مغادرة بلدانهم بسعر يشمل جميع الخدمات وهي الطريقة المعروفة ب All inclusif، ولا يُنفقون شيئاً بعد وصولهم للبلد. غير أن العارفين بقطاع السياحة في تونس يؤكدون أن السياح العرب لا يشبهون هؤلاء الأوروبيين، خصوصاً الجزائريين والليبيين الذين يحتلون المرتبة الأولى بين زوار البلد، ويعتبرون أن السائح العربي الواحد يُنفق في المتوسط أكثر من خمسة من أولئك الأوروبيين. من هذه الزاوية استكشف التونسيون مجالات جديدة لتنمية السياحة، ومن ضمنها السياحة البيئية التي يعشقها كثير من السياح في عصرنا هذا، لأنها تتيح لهم الابتعاد عن زحمة المدن وضغط الحياة اليومية والاستمتاع بنعومة الطبيعة وهدوء المناطق الجبلية والصحراوية. ويدرس التونسيون حالياً الوسائل الملائمة لاستثمار 72 موقعاً بيئياً يمكن إدراجها على لائحة مسار سياحي بيئي متنوع. جبال وسدود وجولات صيد ومن تلك المواقع الجبال الخضراء في محافظة سليانة غرب العاصمة تونس، ومدينة عين دراهم المعلقة بين الجبال الكثيفة، والتي كان السياح الأوروبيون يُقبلون على زيارتها منذ بواكير القرن الماضي لصيد الخنازير والحيوانات الوحشية، والتي تراجعت البنية الفندقية فيها خلال السنوات الأخيرة. وهناك أيضاً سدود تقع في مناطق جبلية تتميز بجمال مناخها أسوة بسد بني مطير وسد البراق وسد جومين، ومحميات طبيعية تنتشر فيها الغابات وأصناف الحيوانات والطيور مثل محمية أشكل في الشمال ومحمية الشعانبي في الوسط التي تقع في محيط أعلى جبل في البلد. واعتبر المدير العام السابق لمؤسسة السياحة التونسية وحيد إبراهيم أن هذه المواقع الجميلة ما زالت مادة خاماً لم يتم استثمارها سياحياً وحض على تحويلها إلى مقصد للسياح البيئيين الذين يبحثون عن هذا الصنف من المنتجعات الهادئة بين أحضان الطبيعة. ويمكن القول إن التونسيين باشروا أخيراً تهيئة مسارات أولى للسياحة البيئية، وكانت الانطلاقة من جبال الشمال الغربي المطلة على المتوسط، حيث تتدرج مدينة طبرقة العريقة على سفوح الجبل نحو ساحل البحر. وينطلق المسار البيئي الجديد من طبرقة وصولاً إلى محمية «الفائجة»، مروراً بعين دراهم والقرية الحرفية في فرنانة ومحطة حمام بورقيبة الاستشفائية والموقعين الأثريين بولا ريجيا وشمتو اللذين يضمان معالم تاريخية فينيقية ورومانية ومتحفاً متخصصاً بالتاريخ القديم. ويتميز هذا المسار ببعده من مصادر التلوث ووجود نباتات وحيوانات محمية من الانقراض بالاعتماد على طبيعة المناخ المعتدل. ويخال من يجول في تلك الربوع بجبالها الخضراء وجمال نباتاتها بأنه في منطقة أوروبية أشبه ما تكون بمرتفعات الألب السويسرية، خصوصاً أن عمارة البيوت مقتبسة من العمارة الأوروبية بقرميدها الأحمر وسقوفها المنحدرة وفتحة المدفأة التي تتوسط عادة سطح البيت. ويجرى حالياً إقامة مجمع سياحي بسيط على ضفاف سد بني مطير يتألف من فندق وحمامات طبيعية تعتمد على ينبوع للماء الساخن يساعد في العلاج الطبيعي ومركز رياضي. وتُعتبر غابات الزان في محيط قرية بني مطير الملجأ الأخير لبعض الأصناف من الحيوانات البرية التي كادت تندثر من شمال أفريقيا، ومنها الوعول والغزلان والظباء. محطات استشفائية أما المجال الثالث، إلى جانب الغولف والسياحة البيئية، فهو المحطات الاستشفائية، إذ حلت تونس في الرتبة الثانية عالمياً من حيث عدد السياح المقبلين على الخدمات الصحية. وزارها في العام الماضي 170 ألف سائح أجنبي بينهم 150 ألفاً أقبلوا على المعالجة بمياه البحر و20 ألفاً استقطبتهم مراكز المعالجة بالمياه المعدنية. ونظراً الى ما يدره اجتذاب هذه الفئة الميسورة من السياح، أعدت وزارة الصحة التونسية خطة لتعزيز هذا القطاع والترويج لخدماته في الأسواق الدولية، وتحديداً الأوروبية، مع التركيز على توافر المعايير الدولية في المراكز الاستشفائية المحلية. وتوقع فرج دواس مدير عام «الديوان الوطني للمياه المعدنية» أن تصبح تونس قطباً لتصدير الخدمات الصحية في أفق 2016. وقال ل «الحياة» إن أحد أضلاع استراتيجية تطوير القطاع يُركز على تكثيف المشاركة في المعارض الدولية للتعريف بالمنتوج السياحي المحلي وضمان وصوله إلى مناطق مختلفة. وفي هذا الإطار شارك عارضون تونسيون في عدد مهم من مراكز العلاج بمياه البحر في فرنسا، خصوصاً في إطار فعاليات صالون «سنيور» أواخر آذار (مارس) الماضي. وطلبت السلطات من جميع مراكز العلاج المحلية السعي للحصول على شهادة المطابقة للمواصفات العالمية، على أساس أن بعض السياح يشترط نوعية معينة من الخدمات، ما يساهم في نهاية المطاف بتطوير القطاع. وذكر أن خمسة مراكز تونسية حصلت على تلك الشهادة فيما العشرات من المراكز في طريقها إلى الحصول عليها، ويتم إسنادها بواسطة مكاتب عالمية تُرسل خبراء وموفدين منها للتثبت من جودة الخدمات. وسعياً لتنشيط الإقبال، يجرى حالياً درس آليات جديدة للتمويل بينها إمكان تكفل الصناديق الاجتماعية في بلد السائح بنفقات العلاج. وفي المقابل يجرى إعداد تشريعات جديدة ترمي لتعزيز مراقبة الخدمات في المراكز ووضع شروط تتعلق بتكوين العاملين في القطاع ومستوى التجهيزات ونوعية الخدمات المقدمة للزبائن. وأظهرت الإحصاءات تزايد الإقبال على العلاج بمياه البحر خلال الأشهر الأولى من العام الحالي ما يؤشر إلى تعزيز نسبة توافد السياح على الخدمات الاستشفائية هذا العام قياساً إلى العام الماضي.