سيشهد التنوع البيولوجي المتدهور أصلاً في البلدان العربية، مزيداً من الأضرار بسبب ازدياد شدة تغير المناخ وارتفاع الحرارة بمقدار درجتين مئويتين سيؤدي الى انقراض ما يصل الى 40 في المئة من كل الأنواع. يتمتع العالم العربي بتنوّع بيولوجي فريد من حيث الأنواع والأنظمة البيئية في مَواطن قاحلة وشبه قاحلة ومتوسّطية. ووفقاً للتقارير الوطنية، فإن أغنى البلدان العربية من حيث تنوّع النباتات، والتي يحتوي كل منها على أكثر من 3000 نوع، هي مصر ولبنان والمغرب وسورية والجزائر وتونس والصومال. أما أعلى مستويات تنوّع الحيوانات فهي في الجزائر ولبنان وسورية وتونس، إذ تأوي كل منها أكثر من 5000 نوع. وتُقدَّر الكثافة في كل 10000 كيلومتر مربع بين 1000 و2000 نوع نبات في الأردن ولبنان والمغرب وسورية، وأقل من 1000 نوع في بقية البلدان العربية. أما كثافة أنواع الثدييّات فهي بين 21 و50 نوعاً في كل 10000 كيلومتر مربع في مصر والعراق والأردن والمغرب والسودان وسورية وتونس، وترتفع جداً في لبنان بمعدل 51 100 وتنخفض في بقية البلدان الى أقل من 20 نوعاً. يواجه الكثير من الأنواع الحية في العالم العربي تهديدات خطيرة ستتفاقم في المستقبل بسبب مضاعفات تغيّر المناخ. بالنسبة الى التنوّع البيولوجي الأرضي، يظهر تقرير الاتحاد الدولي لصون الطبيعة لعام 2008 أنّ في اليمن أكبر عدد من الأنواع النباتية المهددة بالانقراض، وهو 159 نوعاً، في حين أن البلدان الأخرى لم تقدم بيانات أو أن العدد فيها يتراوح بين صفر و17 نوعاً مهدداً. وفي ما يتعلق بالحيوانات، فإن أكثر الأنواع المهدَّدة بالانقراض هي في جيبوتي ومصر والأردن والمغرب والسعودية والصومال والسودان واليمن، وفي كل منها أكثر من 80 نوعاً حيوانياً مهدداً، وأقصاها 108 أنواع في مصر. ويتعرّض التنوّع البيولوجي البحري بموازاة سواحل العالم العربي لتهديدات خطيرة في مناطق معيّنة. مثال على ذلك الأطوم، أو بقر البحر، المهدَّد في شكل بالغ في البحرين حيث يوجد التجمع الثاني الأكبر عدداً في العالم بعد أوستراليا. وفي العام 2000، صُنِّفت الدلافين والحيتان في المياه الدولية ضمن الفئات المهدَّدة بشدّة أو المعرضة للانقراض، وأنواعها ما بين 11 و16 نوعاً في ساحل المغرب الشمالي وما بين 6 و10 أنواع في حوض المتوسط وساحل موريتانيا وساحل المغرب الجنوبي. ونظراً لأن تغيّر المناخ ظاهرة عالمية محتومة، فإن التنوّع البيولوجي في المياه العذبة سيتأثّر سلباً في العالم العربي، وسيضمحلّ الكثير من موارده الثمينة. ويُعتبر تنوّع الطيور ثروة كبرى، وهو عرضة للمخاطر بسبب التأثيرات السلبية الناجمة عن تغير المناخ. وتقع غالبية البلدان العربية على الممرّات المهمّة لهجرة الطيور. التنوّع البيولوجي الزراعي يحوي العالم العربي عدداً من مراكز الأصول (المعروفة أيضاً باسم مراكز فافيلوف للتنوّع) وهي بقع جغرافية كانت المهد الذي طورت فيه جماعة من الكائنات الحية المدجَّنة أو البرية خصائصها المميّزة. وما زالت هذه المراكز تحوي تنوعاً عالياً من الأنواع البرية النسيبة الى نباتات المحاصيل المزروعة. وقد حدّد فافيلوف عام 1951 ثمانية «مراكز تنوّع عالمية» للنباتات المزروعة، أحدها منطقة الشرق الأوسط التي تشمل داخِل آسيا الصغرى وعبر القوقاز وإيران ومرتفَعات تركمانستان. ويبلغ مجموع هذه الأنواع في منطقة البحر المتوسّط 84 نوعاً، ممّا يجعلها في المرتبة الثالثة بعد الصين (137 نوعاً) والهند (117 نوعاً). وتمتاز منطقة المتوسّط بأنها مركز أصل نوعين من الأشجار المثمرة هما الزيتون والخرّوب، وعدد كبير من الخضر المزروعة (30) والتوابل (15) والنباتات الزيتية (6) والنباتات العلفيّة القديمة (11). تحوّلات في نطاق توزّع الأنواع يضمّ العالم العربي أنواعاً محلية تتحمل الحرارة الشديدة والجفاف، ويرجَّح أن تتفاعل مع تغيّر المناخ إمّا بمواصلة البقاء في مواطنها البيئية وإمّا بنقل توزّعها إلى مناطق أبرد أو أكثر رطوبة نسبياً في المرتفعات أو بالانتقال شمالاً. وقد سُجِّلت تحوّلات في نطاق التوزّع لعدد متنوّع من مجموعات النباتات والحيوانات. على مستوى عالمي، قد توسِّع الأنواع المتوطنة في العالم العربي نطاق توزّعها شمالاً. فمثلاً، أنواع جنوب البحر المتوسط الموجودة عند الطرف الدافئ من التدرُّج الحراري الأوروبي، يعتقد أنها ستفقد مواطنها غير الملائمة وتكتسب عدداً كبيراً من المواطن الجديدة في مناطق أبرد خارج العالم العربي. وعلى المستوى الإقليمي في العالم العربي، يُنتظَر أن يوفر تدرّج الارتفاعات وتدرّج الرطوبة ملاجئ فريدة لآخر مجموعات الأنواع المتبقية. وهذه الملاجئ هي مناطق خاصة وسط أراضٍ قاحلة وشبه قاحلة في الغالب، وتأوي أنواعاً متخصصة أصبحت على حدودها البيئية، فهي بالتالي عرضة للتأثّر الشديد بتغيّر المناخ. ويُتوقّع أن تكون قابليّة التأثّر بتغيّر المناخ أكبر لدى الأنواع الفريدة في الموائل المحدودة النطاق أو التي وصلت إلى حدود تحمّلها البيئي. ومنها منابت المنغروف في قطر، وغابات الأرز في لبنان وسورية، وموائل النباتات في جزر جيبوتي، وأهوار العراق، والسلاسل الجبلية في اليمن التي يبلغ ارتفاعها 3700 متر، وفي عمان وارتفاعها 3000 متر، إضافة إلى الأنهر الكبيرة كالنيل (مصر والسودان) ودجلة والفرات (العراق وسورية) واليرموك (سورية والأردن). وقد أدت تغيرات درجات حرارة مياه البحر المسجّلة في مختلف المناطق على طول سواحل العالم العربي إلى تصنيف الخطوط الساحلية في عُمان والصومال كبُقع خطرة لابيضاض المرجان. وسُجّلت في مناطق معيّنة، مثل القسم الأدنى من البحر الأحمر والقسم الجنوبي من الخليج العربي، زيادة في معدل درجات الحرارة بمقدار درجة إلى 1,5 درجة مئوية. وعرفت مناطق أخرى زيادات أقلّ لكنّها ليست بسيطة إذ تراوحت بين نصف درجة ودرجة واحدة مئوية، كما في القسم الأعلى من البحر الأحمر والبحر المتوسط وخليج عمان وبحر العرب. وستكون لزيادات درجات الحرارة هذه آثار خطيرة أيضاً على التنوّع البيولوجي في الشواطئ الرملية والكثبان الرملية الساحلية. فمثلاً: السلاحف البحرية التي تلجأ إلى شواطئ البحرين ولبنان وعمان لتعشش وتضع بيوضها ستتأثّر في شكل ملحوظ، لأن ارتفاع درجة حرارة التربة سيُخِلّ بنسبة الذكور إلى الاناث، وستكون لذلك عواقب وخيمة على بقاء هذه الأنواع في تلك المناطق. وقد تكون الأراضي الرطبة من أشدّ الأنظمة البيئية في العالم العربي تأثّراً نتيجةً للسلبيّات التي يأتي بها تغيّر المناخ والتي قد تنجم عن أدنى درجة تبدّل في مقدار وموسميّة معدّل سقوط المطر والتبخُّر. ولا شك في أنّ الأماكن المرتفعة التي تشكّل الملاذ للكثير من الأنواع المتخصّصة والأنظمة البيئية الفريدة ستعاني من تحوّلات في توزّع الأنواع، ومن اختفاء بعض الأنواع في حالات أخرى. ويوجد نوعان من الأشجار الصنوبريّة عند أقصى حدود توزّعهما جنوباً في لبنان، هما أرز لبنان وتنّوب قيليقية (الشوح)، وسينحسر نطاق توزّعهما، بفعل ارتفاع درجات الحرارة، إلى بقع أخرى في المنطقة أبعد شمالاً وأكثر ارتفاعاً. كذلك الحال بالنسبة الى غابات العرعر في السعودية التي تتركز حالياً في حزام ضيّق مساحته 7600 كيلومتر مربع على مرتفعات شاهقة تتراوح بين 2000 و3000 متر. وقد أخذت بوادر هذا التبدّل بالظهور، حيث انّ انخفاض معدّلات الرطوبة وتساقط المطر ألحقا ضرراً بأشجار العرعر في جبال الشَّراة في جنوب الأردن وجبال الحجاز في السعودية، إذ بدأت رؤوس هذه الأشجار باليباس وتناقص تجدّد البذور. المحميات تخفف أخطار تغيّر المناخ خطا العالم العربي خطوات مهمّة جداً في تكريس المناطق المحميّة في مختلف البلدان. وهي تتضمن مناطق وطنية تشمل أنظمة إيكولوجية مختلفة، ومناطق مصنَّفة دولياً مثل مواقع اتفاقيّة رامسار وبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي ومواقع التراث العالمي. ان حماية الأنظمة الايكولوجية الفريدة والأنواع المهددة تسلّط الضوء على ضرورة إقامة مناطق محميّة ذات امتدادات مناسبة في التدرُّجات المناخية الجوهرية (الحرارة / كميات المطر) على أن تربط بينها ممرّات من موائل طبيعية وشبه طبيعية. المتنزهات الوطنية الكائنة في مناطق بيئية صحراوية أو في أراضٍ جافّة ذات شجيرات تكون سريعة التأثّر بالتغيّر المناخي، لأنها ستعاني على الأرجح من نقص في غِنى الأنواع. أمّا المناطق المحميّة الواقعة في موائل نادرة أو فريدة فقد يزداد غناها النباتي، لكنّها يمكن أن تشهد تغييراً في تشكيلة الأنواع. فعلى سبيل المثال، إذا تغيّرت بنية الموئل نظراً لفقدان الأنواع الرئيسة، كأحد أنواع الأشجار المهمّة، بسبب الحرائق الناجمة عن المناخ، فسيكون لذلك تأثير عظيم في أنواع الحيوانات. بالإضافة إلى ذلك، فإن قدرة الأنواع على الانتشار والهجرة وتعقب التغيّرات المناخية خارج حدود المنطقة المحميّة، كما هي حال المها والثعلب وثدييّات أخرى، تصبح غير فاعلة من دون تدخّل بشري. إضافة إلى ذلك، إذا أصبح أيّ نوع محصوراً في مواقع قليلة، فأيّ كارثة محلية قد تؤدي بسهولة إلى انقراضه، كما انّ التغيّر المناخي يمكن أن يجعل الحيوانات أكثر عرضة للتأثّر بالأمراض المنتشرة وخصوصاً الجمرة الخبيثة. وتتأثّر دورة حياة القُراد وطفيليّات أخرى بتبدّل المناخ، فتزدهر أعدادها، ممّا قد يفاقم مخاطر الانقراض بفعل الأمراض التي تنقلها. ما المطلوب في العالم العربي؟ العالم العربي في أمَسّ الحاجة الى مزيد من العمل والجهد في سبيل مواجهة تغيّر المناخ وخسارة الأنواع والموائل. فعدد الأنواع قليل قياساً على البيئة الطبيعية، إذ يتراوح عدد أنواع الحيوانات والنباتات المسجّلة بين 9119 نوعاً في لبنان و2243 في موريتانيا. لكن بغَضّ النظر عن غِنى الأنواع، ما يعبّر فعلاً عن مدى تأثّر المنطقة بالتغيّر المناخي هو قياس التغيرات النسبية في تنوّع الأنواع. ومع أنّ الأنواع في الأراضي الجافة قد تتمكّن من توسيع مدى توزّعها، فإن ذلك يتوقّف، إلى حدّ بعيد، على أنماط انتقالها وانتشارها وقدرتها على التغلب على العوائق الطبيعية أو التي يصنعها الإنسان، أو التبدّلات في الأرض التي يتسبّب بها الإنسان. وليس هناك إجماع في الرأي حول كيفيّة مسح او تقدير نتائج التغيّر المناخي على البيئة. لكنّ معرفة المواقع الأكثر تأثّراً والمواقع الأقل تأثّراً، في ظلّ أوضاع مختلفة، توفّر إطاراً لتصميم أنظمة للمحافظة تشمل المناطق الأقلّ عرضة للمخاطر (ملاجئ مُحتمَلة) والأكثر عرضة للمخاطر، حيث يمكن أن تفوق سرعةُ حدوث التغيّر المناخي سرعةَ كثير من الأنواع في التأقلم مع هذا التغيير. ولن يطاول تأثير التغيّر المناخي الأنواع مباشرة فحسب، بل أيضاً عبر ارتباطها بعناصر أخرى، كأن يرتفع معدّل وفيات نوع من الأنواع بسبب تفشّي الآفات، وهذا بدوره قد يكون ناشئاً عن نوع الآفة، وحجم التبدّلات الوراثية وقابليّة التكيّف مع المتغيّرات المناخية لدى مجموعة الآفات، ومقدار ما تفترسه الطيور من حشرات، واستخدام مبيدات الحشرات أو عدم استخدامها. في مجال إدارة المناطق المحميّة، ثمّة استراتيجيتان رئيسيّتان يجب اتباعهما بالتوازي بغية ضمان فعالية جهود المحافظة على البيئة وتغطيتها الشاملة. تقضي الاستراتيجية الأولى بإقامة مناطق محميّة جديدة لتحقيق هدف تمثيل الأنواع، وتتعلّق الاستراتيجية الثانية بإدارة الأنواع ضمن كل محميّة بالتناسب والتنسيق مع المحميّات الأخرى (وعدم الاكتفاء بالمحافظة على الوضع الراهن في كل محميّة). ولعلّ ما يناسب العالم العربي حالياً اعتماد ثلاثة محاور عند وضع خطط المناطق المحميّة: توسيع المناطق المحميّة، والإدارة خارج المناطق المحميّة، والتنسيق الإقليمي لجهود إدارة المحميّات. أخيراً، على العالم العربي، بصفته كياناً جغرافياً مترابطاً، أن ينشئ آليّات إقليمية للتنسيق في هذا المجال ويضعها موضع التنفيذ. فتبدّلات نطاق الأنواع وتأثيرات الأحداث الخطيرة وحالات لا تزامُن الموارد غالباً ما تَحدث على نطاق إقليمي. لذلك، فإن أيّ استراتيجية فعّالة لمواجهة التغيّر المناخي يجب أن تتضمّن آليّات لتنسيق أعمال البيئة على المستوى الإقليمي وعبر الحدود السياسية. فلا يمكن التغلّب على ظاهرة عالمية ذات تأثيرات بالغة على كل الصعد من دون تنسيق إقليمي فاعل ومستدام.