يرثي الموسيقي اليمني جابر علي أحمد حال الغناء والموسيقى في البلدان العربية اليوم، لافتاً إلى الحفاوة والدعم تجاه كل ما هو هابط ومبتذل، فيما «تواجه الموسيقى الجادة بالإقصاء»، بحسب قوله. ويُعدّ أحمد نفسه ضحية لهذا التردي مثل قلة من الموسيقيين «الجادين» ذكر منهم اللبناني مارسيل خليفة. ويقول جابر إن أي توجّه نحو التجديد الموسيقي في الوطن العربي هو أشبه بالنبش في المحظور الذي لا تقبله المؤسسات الخاصة ولا العامة. وأوضح بأن الفنان الذي يريد أن ينتج وفق مشروع جمالي يجد نفسه أمام حائط، وإن «نجح في إنتاج عمل بجهد ذاتي فلن يسمعه أحد، لا أجهزة الاتصال الجماهيري تستجيب ولا السوق». ويشرح أن السوق تميل نحو الإنتاج الرخيص، والمنتجون يرفضون أي عمل راق، متّهماً وسائل الإعلام بالمساهمة في تكريس التدهور الذي أصاب الذائقة الفنية. وحمل الموسيقي اليمني في حديث مع «الحياة» على القنوات الموسيقية العربية والرساميل الشغالة في الإنتاج الفني. ويعتبر أن شركة «روتانا» توظّف ملايين الدولارات لإنتاج أصوات عادية وأجسام حلوة، بينما لا توظف الملاليم في الإنتاج الموسيقي الجاد. ويصف أحمد شركات الإنتاج الفني في اليمن «بالدكاكين التي لا يملك أصحابها رأس المال، وكل همّها إنتاج أغان بالعود والإيقاع لأن الاشتغال على فرقة موسيقية مكلف بالنسبة لها». ويوضح أن «هذا النوع من الإنتاج يتم عادة بواسطة أصدقاء يذهبون الى استوديو لا تتوافر فيه آلات تسجيل جيدة. والألبوم الواحد يكلف 150 الف ريال فقط». ويرجع أحمد حالة الانحدار الفني إلى شيوع هذا النوع من الإنتاج. أما المؤسسات اليمنية التي لديها رأس مال جيد فإنها بحسب قوله، تخشى أن تغامر في صرف أموال كبيرة. ويضيف: «مع الانحدار ترسخ تقليد العود والإيقاع لأسباب مالية بحتة وليس لأسباب فنية. المنتج لا يريد أن يزيد من عدد الآلات كيلا تقل أرباحه». ويعتبر أحمد أن حركة التجديد الغنائي في اليمن بهتت، قياساً بالزخم التجديدي الذي شهده النصف الثاني من القرن العشرين. فيما تعاني المحاولات الفردية من التآكل، نظراً لعدم وجود بيئات مناسبة. فالمعطى العام على حد قوله غير مشجع والناس همهم توفير لقمة العيش، ما جعل الفنان اليمني يتجه اتجاهاً استهلاكياً. ومعظم المطربين صاروا يقدمون أغاني تنفع في صالات الأعراس. ويقول: «أدهش عندما اسمع ان مطرباً يشترط مبلغ أربعمئة ألف ريال ليذهب إلى المخدرة (الصالة) بينما المبدع الحقيقي يريد خمسة آلاف ريال». وذكر أحمد أنه يعرف شخصياً مطربين يريدون ان يكونوا فنانين لا مجرد مجترين لأغاني «المخادر»، لكنهم يفتقرون إلى المال الذي يسد رمقهم، مؤكداً أن الفنان الذي يريد أن يكون ذاته «يموت بينما المجتر يعيش حياة بذخ، وبعض هؤلاء صاروا تجاراً فالقيم المحفزة على الإبداع لم تعد موجودة. وتسليع الفن قاد إلى هيمنة قيم السوق». ويرى أحمد أن فن الموسيقى بات يواجه محنة تبدأ في البيت وتنتهي في الحياة العامة، موضحاً أن الإنسان العربي أصبح ضحية مطرقة الدعوات المجرمة للموسيقى والغناء وسندان الإسفاف الموسيقي الغنائي الذي تبثه الفضائيات. ويفيد بأن الموسيقى باتت عاجزة عن القيام بدورها الجمالي الإنساني الذي كانت تقوم به منذ المدينة اليونانية. ويقول إن المؤسسات العربية العملاقة لا تتعامل مع عمل فني جاد الا إذا كان صاحبه مشهوراً. وأحياناً تجد نفسك خاضعاً لضغوط مطالب المنتج الذي لا يريد أن يخوض في هذا المجال حتى لا يحدث تغييراً إيجابياً. ويؤكد أن القنوات العربية لاتستقبل سوى الإنتاج المنمط وبعضها يشترط الفيديو كليب، موضحاً أن تقنية الفيديو كليب لو وظفت في شكل جيد فيمكن ان تقدم عملاً راقياً. لكن الحاصل هو أن هذه التقنية وظفت لتخريب الذوق الفني. فأصبح المتلقي لاينتبه للأغنية وماذا تقول. يركز فقط على مفاتن الفتاة او الفتى. متمنياً أن يوظف الفيديو كليب بالشكل الجمالي الذي وظفته السينما في الأفلام الاستعراضية الموسيقية. حيث كان هناك تلازم بين الأغنية والصورة . بينما باتت الإثارة تطغى على العمل. وعن تجارب الفيديو كليب اليمنية، يرى أحمد أنه «لا توجد تجارب يعتد بها، فالأغاني في ضفة والصورة في ضفة أخرى»، مؤكداً أن الكليب يحتاج الى أموال هائلة ولا تقدر على إنتاجه سوى المؤسسات الضخمة.