مع تفاقم انعكاسات الأزمة العالمية على الاقتصاد التونسي أقفلت مصانع كثيرة أبوابها وأحالت العاملين على البطالة. وطاولت الأزمة في الدرجة الأولى مصانع منسوجات وبدائل سيارات بسبب الركود الذي يشهده القطاعان في الأسواق الأوروبية التي تشكل المقصد الرئيس للمنتجات التونسية. ولم تُنشر حتى الآن إحصاءات رسمية عن اتساع دائرة البطالة إلا أن تزايد محاولات الهجرة غير الشرعية في صفوف الشباب شكلت مؤشراً قوياً على انسداد آفاق التشغيل. وضربت الأزمة أساساً مصانع منسوجات في مدينتي المنستير وقصر هلال ومصانع لإنتاج المُكونات الميكانيكية والكهربائية للسيارات في العاصمة ومحافظات داخلية. وقدر وزير الصناعة والطاقة عفيف شلبي عدد حالات التسريح النهائي من العمل بستة آلاف إضافة إلى ستة آلاف عامل آخرين باتوا يعملون بنصف الدوام. وأوضح أن أكثر القطاعات تأثراً قطاع الصناعات الكهربائية والمنسوجات والملبوسات في العاصمة تونس والمحافظات الساحلية. وأفاد عمال شركة «مقلدة» لتصنيع الكوابل النحاسية في مدينة الجم (220 كيلومتراً جنوب العاصمة تونس) أن صاحب الشركة استغنى عن 39 عاملاً من 160 يعملون في المصنع بسبب تراجع ترويج المنتوج. وكان التونسيون يأملون في أن تمتص المشاريع الإستثمارية الخليجية قسماً مهماً من المقبلين على سوق العمل اعتباراً من هذه السنة، إلا أن تعثر انطلاق تلك المشاريع أرجأ تشغيل آلاف العمال والكوادر الذين سجلوا أسماءهم في مكاتب تلك المجموعات. وتعهدت مجموعات إماراتية وبحرينية العام الماضي إنجاز ثلاث مدن جديدة في ضواحي العاصمة تونس، إلا أن الأعمال لم تنطلق بعدُ. ولا توجد تقديرات دقيقة لفرص العمل التي ستؤمنها المشاريع العقارية الخليجية في حال انطلاقها، إلا أن خبراء توقعوا أن تُشغل نحو 50 ألفاً. من جهة أخرى شكل التخصيص أحد المصادر الرئيسة لتزايد العاطلين، وحذّر الاتحاد العام التونسي للشغل (اتحاد نقابات العمال) أخيراً من تخصيص حلقات إنتاج في شركة الكهرباء الوطنية مُعتبراً أنها مصدر تهديد لفرص العمل. وأفادت دراسة مولها البنك الدولي عن بطالة حاملي الشهادات العليا التونسيين أنها ارتفعت إلى أكثر من 70 في المئة في صفوف الفنيين المهرة وأكثر من 31 في المئة بين المهندسين الزراعيين. النتائج مع دراسة تالية مولها الاتحاد الأوروبي في إطار مشروع «الإدماج المهني لحاملي الشهادات العليا التونسيين في التعليم الزراعي» اعتماداً على عينة ضمت 318 مهندساً وفنياً تخرجوا بين 2000 و 2005 وتبين أن 22 في المئة منهم وجدوا عملاً فيما شارك 12 في المئة في دورات تأهيل مهني، واستطاع 5 في المئة إقامة مشاريع خاصة، وبقيت الغالبية وتمثل 61 في المئة من دون شغل. وتعتبر أوساط حكومية تلك الظواهر عادية وتؤكد أن البطالة لا تزال «تحت السيطرة»، إذ تراوح بين 15 و17 في المئة. ومع إقرار النقابات بأن نسبة البطالة ما زالت أدنى من خط الخطر فإنها حذرت من اعتماد مبدأ «مرونة العمل» التي تم اللجوء إليها في البلدان الاسكندنافية، كونها تتسبب في هشاشة فرص العمل. وحذرت الدراسة من كون اعتماد المرونة في ظل مناخ العمل المحلي المختلف عن بلدان الشمال قد يؤدي إلى تزايد الاستغناء عن العمال وتعميق هشاشة فرص الشغل المتوافرة حالياً. أما العمال التونسيون في الخارج ومركزهم الرئيس في أوروبا الغربية، فلم يتسن الحصول من جهات تونسية عن إحصاءات عن نسبة العاطلين بينهم لكون الإحصاءات الرسمية لا تشملهم، لكن الخبير بشير المارجيني أكد أن الأزمة ضربت قسماً منهم. وأفاد مصدر في «الوكالة التونسية للتعاون الفني» التي تنظم هجرة الخبراء والعمال المتخصصين إلى الخليج وأفريقيا أن أعداد العائدين من الخليج بسبب الأزمة لا يتجاوز عشرات. وأوضح أن عدد التونسيين العاملين في بلدان الخليج قليل أصلاً، ولا يتجاوز بضعة آلاف، عدا قطر التي تضم أكبر جالية تتألف من 7 آلاف. وأكد المصدر أن الجالية تأثرت قليلاً من تداعيات الأزمة، لكن لم يتم ترحيل أي فرد منها تقريباً. وتأتي عُمان في المرتبة الثانية وغالبية العاملين فيها من المدرسين الذين يعملون بموجب عقود مع الدولة، وأن قسماً من الذين غادروا الإمارات وجدوا عملاً في أوروبا اعتماداً على شبكات العلاقات الأسرية والاجتماعية، وهم أساساً من العاملين سابقاً في قطاعي العقارات والخدمات في دبي.