قرر وزراء الخارجية العرب التوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار برفع الحصار عن غزة، وطلبوا من المجتمع الدولي تحدي هذا الحصار وتجاهله، فيما أكدت مصر تأييدها جهود كسر الحصار طالما أن ذلك لن يتم عبر أراضيها، مشيرة إلى أنه سيتطلب «عملاً منسقاً ومستمراً للوصول إلى القطاع من طريق حدوده البحرية». وأبدى الوزراء استياءهم من معارضة الولاياتالمتحدة ودول أخرى قرار المجلس الدولي لحقوق الإنسان تشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة في الاعتداء الإسرائيلي على «أسطول الحرية»، وكلفوا الأمين العام للجامعة عمرو موسى «إبلاغ الإدارة الأميركية بمواقف ومطالب محددة في ما يتعلق بالحصار». وعُلم أن خلافات ثارت بين الوزراء العرب خلال اجتماعهم الاستثنائي الذي استمر إلى ما بعد منتصف ليل الأربعاء - الخميس، في شأن مطالبة دول على رأسها سورية بقطع العلاقات العربية مع إسرائيل، وهى المطالبة التي رفضتها الدول التي تربطها علاقات ديبلوماسية بالدولة العبرية على اعتبار أن «هذه العلاقات تستثمر في الأزمات، مثل التدخل المصري - الأردني لحض إسرائيل على إطلاق الموقوفين العرب من أسطول الحرية، كما تساعد على دفع العملية السلمية». وقال نائب الأمين العام للجامعة السفير أحمد بن حلي ل «الحياة» إن «أي اجتماع يكون فيه أخذ ورد واختلافات، لكن في النهاية ينتهي الأمر إلى قرار توافقي يخدم المصلحة العربية». ودان مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية «العدوان العسكري المبيت الذي ارتكبته إسرائيل ضد قافلة الحرية»، ووصفه بأنه «يشكل قرصنة وإرهاب دولة». وأعلن في بيانه الختامي «كسر الحصار»، عبر الالتزام بإيصال المعونات الطبية والأغذية ومواد البناء اللازمة لإعادة الإعمار وغيرها من الحاجات الضرورية إلى أهالي القطاع «بشتى الوسائل». وكلف لبنان، العضو العربي في مجلس الأمن، والمجموعة العربية في نيويورك بطلب عقد اجتماع للمجلس، بالتنسيق مع تركيا والدول والتجمعات الصديقة، «لإصدار القرار اللازم لإدانة الحصار المفروض على غزة وإلزام إسرائيل برفعه فوراً». وأكد «الالتزام بما جاء في قرارات قمة سرت، خصوصاً القرار الخاص بوقف أشكال التطبيع مع إسرائيل كافة». وأوصى برفع توصية إلى القادة العرب «لتنفيذ ما ورد في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال القمة الاقتصادية في الكويت في كانون الثاني (يناير) 2009، عن أن المبادرة العربية لن تبقى على المائدة طويلاً». وأعرب عن «الاستياء إزاء مواقف بعض الدول في مجلس الأمن التي أعاقت الاتفاق على إجراء تحقيق دولي مستقل في العدوان على قافلة الحرية». ودعا إلى «تنسيق الجهود التركية - العربية مع الجهات المعنية الأخرى لرفع دعاوى قضائية أمام جهات التقاضي الوطنية والدولية المختصة، وعلى رأسها محكمة العدل الدولية». وقال الأمين العام للجامعة عمرو موسى: «يجب تحدي الحصار وعدم الالتزام به... (يجب استمرار) الأسلوب الذي اتبعته هذه القافلة. نحن نطالب الجميع بأن لا يلقي بالاً لموضوع الحصار أو يتعامل معه». ووصف القرار المصري بفتح معبر رفح بأنه «شيء مهم جداً». وقال: «من الضروري عندما نذهب إلى مجلس الأمن أن نذهب تحت الفصل المناسب، وهو الفصل السابع». وعن إمكان وقف المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قال إن «المفاوضات لم تبدأ حتى الآن، ونحن أكدنا أنه في حال عدم الإنجاز والتقدم، فإننا نطرح الموضوع برمته على مجلس الأمن، لأن الوسطاء لم ينجحوا». وأضاف: «إذا لم يرفع الحصار الإسرائيلي على غزة، ستكون هناك إعادة النظر في كثير من المسلمات». وقال بن حلي ل «الحياة» إنه إذا تعذر استصدار قرار من مجلس الأمن برفع الحصار، «فسنتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة... وفي حال عدم رفع إسرائيل الحصار، يجب تجاهله وكسره وقد يتطلب ذلك مزيداً من الشهداء، وهذا هو التحدي الذي يجب أن يخوضه العرب لأن إسرائيل دولة لا تردعها قوانين ولا تلتزم أي شرعية». وعن الموقف الأميركي في مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان من الهجوم على «أسطول الحرية»، قال بن حلي إن هذا الموقف «جعل من الضمانات التي أعطتها للفلسطينيين موضع شكوك وعدم صدقية، لذا سيوجه الأمين العام رسالة إلى واشنطن يشرح فيها الموقف العربي وما هو مطلوب من الراعي الأميركي». من جهته، قال الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية السفير حسام زكي إن قرار وزراء الخارجية العرب «يعكس حجم الغضب العربي إزاء السلوك الإسرائيلي عموماً وإزاء الاعتداء على قافلة الحرية خصوصاً». وأضاف في بيان أن وزير الخارجية أحمد أبوالغيط حرص فى مداخلاته أمام الاجتماع على توضيح أن «كسر الحصار على النحو الذي تضمنه القرار العربي سيتطلب عملاً منسقاً ومستمراً للوصول إلى قطاع غزة من طريق حدوده البحرية، وإجبار إسرائيل على السماح لسفن المعونات بالوصول إلى القطاع». وكشفت مصادر ديبلوماسية عربية حضرت الاجتماع الوزاري ل «الحياة» تفاصيل المناقشات والخلافات التي شهدها، وإن حرصت على تأكيد أن الاجتماع كان إيجابياً. وقالت إن «نقاشاً مهماً وطويلاً تناول استخدام الألفاظ في موضوع الحصار، وهل المطلوب كسره أم رفعه». ولفتت إلى أن «مداخلة أبو الغيط حملت تنبيهاً إلى أن استخدام كسر الحصار له عواقبه ويضع التزاماً على الدول التي ترغب في ذلك، لكنه في النهاية لم يعترض على استخدام هذه الكلمة وتماشى معها انطلاقاً من أن الكسر لن يتم عبر الأراضي المصرية، باعتبار أن مصر تتحكم في من يمكنه استخدام أرضها للنفاذ إلى قطاع غزة، وأن الكسر في المفهوم المصري هو من خلال الحدود البحرية للقطاع على غرار أسطول الحرية، وهذا أمر لا تمانعه». وشددت على أن «المصريين ليسوا في وارد تغيير سياستهم تجاه غزة ، إلا إذا حدثت تطورات على صعيد المصالحة الفلسطينية». أما المبادرة العربية للسلام، فاقترح رئيس وزراء قطر وزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رفع توصية إلى القادة العرب لتنفيذ ما ذكره خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عن أن المبادرة لن تستمر طويلاً على الطاولة، «لكن وزير خارجية لبنان اعترض وقال إن المبادرة وثيقة يتمسك بها لبنان وتشكل جزءاً أساسياً من سياسته لأنها تتضمن رفض التوطين، قبل أن يعود ليقبلها بعد اتصالات أجراها، كما أن الموقف المصري كان متحفظاً إزاء هذه المطالبة، على أساس أن النقاش لم يكن يهدف إلى التوصية بسحب المبادرة». وركز وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مداخلته، بحسب المصادر، على المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مطالباً بسحب الغطاء العربي الممنوح للرئيس الفلسطيني محمود عباس للاستمرار فيها. وأوضحت المصادر أن «أبو الغيط قال إن هذا سيكون بمثابة هدية مجانية لإسرائيل ستتلقفها الحكومة الحالية بكل ترحاب». وتم الاكتفاء بصيغة تكليف الأمين العام للجامعة بنقل رسالة شفهية إلى واشنطن مفادها أن «العرب غير مرتاحين إلى الوضع الحالي وإلى استمرار المفاوضات في ظل ما تقوم به إسرائيل». من جهة اخرى، دعت «منظمة المؤتمر الإسلامي» إلى التنفيذ الفوري لقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الاعتداء الإسرائيلي الدامي على سفن «أسطول الحرية»، فيما تعقد لجنتها التنفيذية الأحد المقبل اجتماعاً على المستوى الوزاري في جدة، للبحث في تداعيات الهجوم. ورحب الأمين العام للمنظمة أكمل الدين إحسان أوغلو بإدانة مجلس حقوق الإنسان للاعتداء الإسرائيلي، وطالب إسرائيل بعدم اعتراض المساعدات الإنسانية المتوجهة إلى قطاع غزة. وثمن في بيان أمس، قرار المجلس تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية مستقلة للتحقيق في الاعتداء الغاشم. ودعا إلى «تنفيذ القرار بسرعة ومحاكمة المسؤولين الإسرائيليين بسبب إرهاب الدولة والقرصنة في المياه الدولية بحق سفن قافلة الحرية التي تحمل رسالة إنسانية ومواد إغاثة لأبناء الشعب الفلسطيني المحاصرين في قطاع غزة في انتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني». وجدد دعوته المجتمع الدولي إلى «العمل على رفع الحصار الجائر الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى أهله»، مشيداً ب «تجاوب المجموعة الإسلامية السريع مع الدعوة إلى تقديم مشروع قرار إلى مجلس حقوق الإنسان، والدور النشط الذي لعبته».